أحكام القرآن - الجصاص - ج ٢ - الصفحة ١٦٩
الزهري، رواه مالك عن الزهري قال: بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل من ثقيف أسلم وعنده عشر نسوة: " اختر منهن أربعا "، ورواه عقيل بن خالد عن ابن شهاب قال: بلغنا عن عثمان بن محمد بن أبي سويد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لغيلان بن سلمة. وكيف يجوز أن يكون عنده عن سالم عن أبيه فيجعله بلاغا عن عثمان بن محمد بن أبي سويد! ويقال:
إنه إنما جاء الغلط من قبل أن معمرا كان عنده عن الزهري حديثان في قصة غيلان، أحدهما هذا وهو بلاغ عن عثمان بن محمد بن أبي سويد، والآخر حديثه عن سالم عن أبيه أن غيلان بن سلمة طلق نساءه في زمن عمر وقسم ماله بين ورثته فقال له عمر: " لئن لم تراجع نساءك ثم مت لأورثهن ثم لأرجمن قبرك كما رجم قبر أبي رغال "، فأخطأ معمر وجعل إسناد هذا الحديث لحديث إسلامه مع النسوة.
فصل قال أبو بكر: والمنصوص على تحريمه في الكتاب هو الجمع بين الأختين، وقد وردت آثار متواترة في النهي عن الجمع بين المرأة وعمتها وخالتها، رواه علي وابن عباس وجابر وابن عمر وأبو موسى وأبو سعيد الخدري وأبو هريرة وعائشة وعبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها ولا على بنت أخيها ولا على بنت أختها "، وفي بعضها: " لا الصغرى على الكبرى ولا الكبرى على الصغرى " على اختلاف بعض الألفاظ مع اتفاق المعنى، وقد تلقاها الناس بالقبول مع تواترها واستفاضتها. وهي من الأخبار الموجبة للعلم والعمل، فوجب استعمال حكمها مع الآية.
مطلب: شذت طائفة من الخوارج بإباحة الجمع بين غير الأختين من المحارم وشذت طائفة من الخوارج بإباحة الجمع بين من عدا الأختين لقوله تعالى:
(وأحل لكم ما وراء ذلكم) وأخطأت في ذلك وضلت عن سواء السبيل، لأن الله تعالى كما قال: (وأحل لكم ما وراء ذلكم) قال: (وما آتاكم الرسول فخذوه) [الحشر: 7] وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم تحريم الجمع بين من ذكرنا، فوجب أن يكون مضموما إلى الآية، فيكون قوله تعالى: (وأحل لكم ما وراء ذلكم) مستعملا فيمن عدا الأختين وعدا من بين النبي صلى الله عليه وسلم تحريم الجمع بينهن. وليس يخلو قوله تعالى: (وأحل لكم ما وراء ذلكم) من أن يكون نزل قبل حكم النبي صلى الله عليه وسلم بتحريم من حرم الجمع بينهن أو معه أو بعده، وغير جائز أن يكون قوله تعالى: (وأحل لكم ما وراء ذلكم) بعد الخبر، لأن قوله تعالى:
(وأحل لكم ما وراء ذلكم) مرتب على تحريم من ذكر تحريمهن منهن، لأن قوله: (ما وراء ذلكم) المراد به ما وراء من تقدم ذكر تحريمهن، وقد كان قبل تحريم الجمع بين
(١٦٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 164 165 166 167 168 169 170 171 172 173 174 ... » »»