يستحقون ماله بالإسلام فقد اجتمع للورثة القرابة والإسلام، وجب أن يكونوا أولى بماله لاجتماع السببين لهم وانفراد المسلمين بأحدهما دون الآخر، والسببان اللذان اجتمعا للورثة هما: الاسلام وقرب النسب، فأشبه سائر الموتى من المسلمين لما كان ماله مستحقا للمسلمين كان من اجتمع له قرب النسب مع الاسلام أولى ممن بعد نسبه منه وإن كان له إسلام.
فإن قال قائل: هذه العلة توجب توريثه من مال الذمي. قيل له: لا يجب ذلك، لأن مال الذمي بعد موته غير مستحق بالإسلام، لاتفاق الجميع على أن ورثته من أهل الذمة أولى به من المسلمين، واتفاق جميع فقهاء الأمصار على أن مال المرتد مستحق بالإسلام، فمن قائل يقول: يستحقه جماعة المسلمين، وآخرين يقولون: يستحقه ورثته من المسلمين، فلما كان ماله مستحقا بالإسلام أشبه مال المسلم الميت لما كان مستحقا بالإسلام كان من اجتمع له الاسلام وقرب النسب أولى من جماعة المسلمين.
فإن قيل: فلو مات ذمي وترك مالا ولا وارث له من أهل دينه وله قرابة مسلمون كان ماله لجماعة المسلمين ولم يكن أقاربه من المسلمين أولى به، لاجتماع السببين لهم من الاسلام والنسب. قيل له: إن مال الذمي غير مستحق بالإسلام، والدليل عليه أنه لو كانت له ورثة من أهل الذمة لم يستحق المسلمون ماله، وما استحق من مال الذمي بالإسلام لا يكون ورثته من أهل الذمة أولى به منهم بل يكونون هم أولى كمواريث المسلمين، فدل ذلك على أن مال الذمي وإن جعل لبيت المال إذا لم يكن له وارث فليس هو مستحقا بالإسلام وإنما هو مال لا مالك له وجده الإمام في دار الاسلام، كاللقطة التي لا يعرف مستحقها فتصرف في وجوه القرب إلى الله تعالى.
فإن قيل: فقد قال أبو حنيفة فيما اكتسبه المرتد في حال ردته: " إنه فئ لبيت المال " وهذا ينقض الاعتلال ويدل على أصل المسألة للمخالف. قيل له: لا يلزم ذلك ولا دلالة فيه على قول المخالف، وذلك لأن ما اكتسبه في حال الردة هو بمنزلة مال الحربي ولا يملكه ملكا صحيحا، ومتى جعلناه في بيت المال بعد موته أو قبله فإنما يصير ذلك المال مغنوما كسائر أموال الحرب إذا ظفرنا بها، وما يؤخذ على وجه الغنيمة فليس بمستحق لبيت المال لأجل الاسلام، لأن الغنائم ليست بمستحقه لغانميها بالإسلام، والدليل عليه أن الذمي متى شهد القتال استحق أن يرضخ له من الغنيمة، فثبت بذلك أن مال الحربي ومال المرتد الذي اكتسبه في الردة مغنوم غير مستحق بالإسلام، فلم يعتبر فيه قرب النسب والإسلام كما اعتبرناه في ماله الذي اكتسبه في حال الاسلام، لأن ذلك المال كان ملكه فيه صحيحا إلى أن ارتد ثم زال ملكه عنه بالردة، فمن يستحقه من الناس