أحكام القرآن - الجصاص - ج ٢ - الصفحة ١١٩
فإن قيل: إذا كان ذكر النصف والثلثين غير دال على نفي ما فوقهما على ما ذكرت فليس إذا في الظاهر نفي ما زاد وإنما تحتاج إلى أن تطالب خصمك بإقامة الدلالة على أن الزيادة مستحقة. قيل له: لما كان قوله تعالى: (يوصيكم الله في أولادكم) أمرا باعتبار السهام المذكورة، إذ كانت الوصية أمرا، أوجب ذلك اعتبار كل فرض مقدر في الآية على حياله ممنوعا من الزيادة والنقصان فيه، فاقتضى ذلك وجوب الاقتصار على المقادير المذكورة لمن سميت له غير زائدة ولا ناقصة، ولم يقل بذلك من حيث خصه بالذكر دون ما تقدم من الأمر باعتبارها في ابتداء الخطاب، فلذلك منعنا الزيادة عليها إلا بدلالة.
وقوله تعالى: (للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون) يدل على وجوب توريث الأخ مع البنت، ويدل عليه حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم: " ألحقوا الفرائض بأهلها فما أبقت فلأولى عصبة ذكر ". فواجب بمجموع الآية والخبر أنا إذا أعطينا البنت النصف أن نعطي الباقي الأخ، لأنه أولى عصبة ذكر.
مطلب: اختلف السلف في ابني عم أحدهما أخ لام واختلف السلف في ابني عم أحدهما أخ لأم، فقال علي وزيد: " للأخ من الأم السدس وما بقي فبينهما نصفان "، وهو قول فقهاء الأمصار. وقال عمر وعبد الله: " المال للأخ من الأم "، وقالا: " ذو السهم أحق ممن لا سهم له "، وإليه كان يذهب شريح والحسن. ولم يختلفوا في أخوين لأم أحدهما ابن عم أن لهما الثلث بنسب الأم وما بقي فلابن العم خاصة، ولم يجعلوا ابن العم أحق بجميع الميراث لاجتماع السهم والتسمية له دون الآخر، كذلك حكم ابني العم إذا كان أحدهما أخا لأم فغير جائز أن يجعل أولى بالميراث من أجل اختصاصه بالسهم والتعصيب. وشبه عمر وعبد الله ذلك بالأخ لأب وأم وأخ لأب أنه أولى بالميراث، وليس هذا عند الآخرين مشبها لهذه المسألة من قبل أن نسبهما من جهة واحدة وهي الأخوة، فاعتبر فيها أقربهما إليه، وهو الذي اجتمع له قرابة الأب والأم، ولا يستحق بقرابته من الأم سهم الأخ من الأم بل إنما يؤكد ذلك حكم الأخوة، وليس كذلك ابنا العم إذا كان أحدهما أخا لأم، لأنك تريد أن تؤكد بالأخوة من جهة الأم ما ليس بأخوة، وإنما هو سبب آخر غيرها فلم يجز أن تؤكده بها. ويدلك على هذا أن نسبته من جهة أنه ابن العم لا يسقط سهمه من جهة أنه أخ لأم بل يرث بأنه أخ لأم سهم الأخ من الأم وإن كان ابن عم، ألا ترى أن الميتة لو تركت أختين لأب وأم وزوجا وأخا لأم هو ابن عم أن للأختين الثلثين وللزوج النصف وللأخ من الأم السدس ولم يسقط سهمه من جهة أنه ابن عم؟ ولو تركت زوجا وأما وأختا لأم وإخوة لأب وأم كان للزوج النصف وللأم السدس وللأخت من الأم السدس وما بقي فللإخوة من الأب والأم،
(١١٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 114 115 116 117 118 119 120 121 122 123 124 ... » »»