أحكام القرآن - الجصاص - ج ٢ - الصفحة ١٣٥
ذلك. وروي عن مجاهد في بعض الروايات: (أو يجعل الله لهن سبيلا): " أو يضعن ما في بطونهن "، وهذا لا معنى له لأن الحكم كان عاما في الحامل والحائل، فالواجب أن يكون السبيل مذكورا لهن جميعا.
مطلب: دلالة تكفي عن ذكر مرجع الضمير واختلف أيضا فيما نسخ هذين الحكمين، فقال قائلون: نسخ بقوله تعالى:
(الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة) [النور: 2]، وقد كان قوله تعالى:
(واللذان يأتيانها منكم) في البكرين، فنسخ ذلك عنهما بالجلد المذكور في هذه الآية، وبقي حكم الثيب من النساء الحبس فنسخ بالرجم. وقال آخرون: نسخ بحديث عبادة بن الصامت، وهو ما حدثنا جعفر بن محمد قال: حدثنا جعفر بن محمد بن اليمان قال:
حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا أبو النصر عن شعبة عن قتادة عن الحسن عن حطان بن عبد الله الرقاشي عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " خذوا عني! قد جعل الله لهن سبيلا، البكر بالبكر والثيب بالثيب، البكر تجلد وتنفى والثيب تجلد وترجم ".
وهذا هو الصحيح، وذلك لأن قوله: " خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا " يوجب أن يكون بيانا للسبيل المذكور في الآية، ومعلوم أنه لم يكن بين قول النبي صلى الله عليه وسلم وبين الحبس والأذى واسطة حكم، وأن آية الجلد التي في سورة النور لم تكن نزلت حينئذ، لأنها لو كانت نزلت كان السبيل متقدما لقوله: " خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا " ولما صح أن يقول ذلك، فثبت بذلك أن الموجب لنسخ الحبس والأذى قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عبادة بن الصامت، وأن آية الجلد نزلت بعده. وفي ذلك دليل على نسخ القرآن بالسنة، إذ نسخ بقوله: " خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا " ما أوجب الله من الحبس والأذى بنص التنزيل.
فإن قيل: فقوله تعالى: (واللذان يأتيانها منكم) وما ذكر في الآيتين من الحبس والأذى كان في البكرين دون الثيبين. قيل له: لم يختلف السلف في أن حكم المرأة الثيب كان الحبس، وإنما قال السدي إن الأذى كان في البكرين خاصة، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن السبيل المذكور في آية الحبس وذلك لا محالة في الثيب، فأوجب أن يكون منسوخا بقوله: " الثيب بالثيب الجلد والرجم "، فلم يخل الحبس من أن يكون منسوخا في جميع الأحوال بغير القرآن، وهي الأخبار التي فيها إيجاب رجم المحصن، فمنها حديث عبادة الذي ذكرنا، حديث عبد الله وعائشة وعثمان حين كان محصورا فاستشهد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: كفر بعد إيمان وزنا بعد إحصان وقتل نفس بغير نفس "، وقصة ماعز والغامدية ورجم النبي صلى الله عليه وسلم إياهما قد نقلته الأمة لا يتمارون فيه.
(١٣٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 130 131 132 133 134 135 136 137 138 139 140 ... » »»