أحكام القرآن - الجصاص - ج ٢ - الصفحة ١٢٩
" ميراثه لبيت المال ". وقال قتادة وسعيد بن أبي عروبة: " إن كان له ورثة على دينه الذي ارتد إليه فميراثه لهم دون ورثته من المسلمين "، ورواه قتادة عن عمر بن عبد العزيز، والصحيح عن عمر أن ميراثه لورثته من المسلمين. ثم اختلفوا فيما اكتسبه في حال الردة إذا قتل أو مات مرتدا، فقال أبو حنيفة والثوري: " ما اكتسبه بعد الردة فهو فئ ". وقال ابن شبرمة وأبو يوسف ومحمد والأوزاعي في إحدى الروايتين: " ما اكتسبه بعد الردة أيضا فهو لورثته المسلمين ".
قال أبو بكر: ظاهر قوله تعالى: (يوصيكم الله في أولادكم) يقتضي توريث المسلم من المرتد، إذ لم يفرق بين الميت المسلم وبين المرتد. فإن قيل: يخصه حديث أسامة بن زيد: " لا يرث المسلم الكافر " كما خص توريث الكافر من المسلم، وهو وإن كان من أخبار الآحاد فقد تلقاه الناس بالقبول واستعملوه في منع توريث الكافر من المسلم، فصار في حيز المتواتر، ولأن آية المواريث خاصة بالإتفاق، وأخبار الآحاد مقبولة في تخصيص مثلها. قيل له: في بعض ألفاظ حديث أسامة: " لا يتوارث أهل ملتين لا يرث المسلم الكافر "، فأخبر أن المراد اسقاط التوارث بين أهل ملتين، وليست الردة بملة قائمة، لأنه وإن ارتد إلى النصرانية أو اليهودية فغير مقر عليها، فليس هو محكوما له بحكم أهل الملة التي انتقل إليها، ألا ترى أنه وإن انتقل إلى ملة الكتابي أنه لا تؤكل ذبيحته وإن كانت امرأة لم يجز نكاحها؟ فثبت بذلك أن الردة ليست بملة، وحديث أسامة مقصور في منع التوارث بين أهل ملتين، وقد بين ذلك في حديث مفسر، وهو ما رواه هشيم عن الزهري قال: حدثنا علي بن الحسين عن عمرو بن عثمان عن أسامة بن زيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يتوارث أهل ملتين شتى، لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم "، فدل ذلك على أن مراد النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك هو منع التوارث بين أهل ملتين. وأيضا فإن أبا حنيفة من أصله أن ملك المرتد يزول بالردة، فإذا قتل أو مات انتقل إلى التوارث، ومن أجل ذلك لا يجيز تصرف المرتد في ماله الذي اكتسبه في حال الاسلام، وإذا كان هذا أصله فهو لم يورث مسلما من كافر لأن ملكه زال عنه في آخر الاسلام، وإنما ورث مسلما ممن كان مسلما.
فإن قيل: فإذا يكون قد ورثته منه وهو حي. قيل له: ليس يمتنع توريث الحي، قال الله تعالى: (وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم) [الأحزاب: 27] وكانوا أحياء، وعلى أنا إنما نقلنا المال إلى الورثة بعد الموت، فليس فيه توريث الحي. ويقال للسائل عن ذلك: وأنت إذا جعلت ماله لبيت المال فقد ورثت منه جماعة المسلمين وهو كافر وورثتهم منه وهو حي إذا لحق بدار الحرب مرتدا. وأيضا فإن المسلمين إذا كانوا إنما
(١٢٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 124 125 126 127 128 129 130 131 132 133 134 ... » »»