أحكام القرآن - الجصاص - ج ٢ - الصفحة ١٢٦
بعض. وأيضا لو كان ميراثا لوجب أن يكون لو كان الميت رجلا من همدان ولا يعرف له وارث أن يستحق ميراثه أهل قبيلته، لأنهم أقرب إليه من غيرهم، فلما كان إنما يستحقه بيت المال للمسلمين وللإمام أن يصرفه إلى من شاء من الناس ممن يراه أهلا له، دل ذلك على أن المسلمين لا يأخذونه ميراثا، وإذا لم يأخذوه ميراثا وإنما كان للإمام صرفه إلى حيث يرى لأنه مالك له، فمالكه أولى بصرفه إلى من يرى. ومن جهة أخرى أنهم إذا لم يأخذوه ميراثا أشبه الثلث الذي يوصي به الميت ولا ميراث فيه، فله أن يصرفه إلى من شاء، فكذلك بقية المال إذا لم يستحقه الوارث كان له صرفه إلى من شاء. ويدل عليه ما حدثنا عبد الباقي بن قانع قال: حدثنا بشر بن موسى قال: حدثنا الحميدي قال: حدثنا سفيان قال: حدثنا أيوب قال: سمعت نافعا عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما حق امرئ مسلم له مال يوصي فيه تمر عليه الليلتان إلا ووصيته عنده مكتوبة "، فلم يفرق بين الوصية ببعض المال أو بجميعه، وظاهره يقتضي جواز الوصية بجميع المال، وقد قامت الدلالة على وجوب الاقتصار على بعضه إذا كان له وارث، فإذا لم يكن له وارث فهو على ظاهر مقتضاه في جوازها بالجميع، والله أعلم.
باب الضرار في الوصية قال الله تعالى: (غير مضار وصية من الله). قال أبو بكر: الضرار في الوصية على وجوه: منها أن يقر في وصيته بماله أو ببعضه لأجنبي أو يقر على نفسه بدين لا حقيقة له زيا للميراث عن وارثه ومستحقه. ومنها أن يقر باستيفاء دين له على غيره في مرضه لئلا يصل إلى وارثه. ومنها أن يبيع ماله من غيره في مرضه ويقر باستيفاء ثمنه. ومنها أن يهب ماله في مرضه أو يتصدق بأكثر من ثلثه في مرضه إضرارا منه بورثته. ومنها أن يتعدى فيوصي بأكثر ما تجوز له الوصية به وهو الزيادة على الثلث. فهذه الوجوه كلها من المضارة في الوصية، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم ذلك في فحوى قوله لسعد: " الثلث والثلث كثير إنك أن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس ". وحدثنا عبد الباقي بن قانع قال: حدثنا أحمد بن الحسن المصري قال: حدثنا عبد الصمد بن حسان قال: حدثنا سفيان الثوري عن داود - يعني ابن أبي هند - عن عكرمة عن ابن عباس قال: " الإضرار في الوصية من الكبائر " ثم قرأ: (تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله) قال: " في الوصية " (ومن يعص الله ورسوله) قال: " في الوصية ".
وحدثنا عبد الباقي قال: حدثنا القاسم بن زكريا ومحمد بن الليث قال: حدثنا حميد بن زنجويه قال: حدثنا عبد الله بن يوسف قال: حدثنا عمر بن المغيرة عن داود بن
(١٢٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 121 122 123 124 125 126 127 128 129 130 131 ... » »»