جوابه إلا منفيا فإنه واضح الظهور في أن " لا " فيه نافية لنفى الجواب لتأكيده وسبيلها سبيل قوله تعالى في سورة النساء " 68 فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك ". وفي سورة الحاقة في قوله تعالى " فلا أقسم بما تبصرون وما لا تبصرون " قال اقسام بالأشياء كلها. وفي سورة البلد في قوله تعالى " لا اقسم بهذا البلد " قال اقسم بالبلد الحرام ولم يقل شيئا في قوله تعالى (لا أقسم) في سورة المعارج والتكوير والانشقاق. ومن شواهد ذلك ما سمعته هنا عن صاحب الكشاف في قوله تعالى " لئلا يعلم أهل الكتاب " من أن " لا " في لئلا مزيدة وصرح أيضا بذلك في تفسير سورة الحديد حيث قال لئلا يعلم - ليعلم - ووافقه على ذلك جماعة فاغتنم أعداء القرآن الكريم من ذلك فرصة فاعترضوا على القرآن بأنه مشتمل على الزيادة اللغوية ولكن الجزء الأول من كتاب الهدى صفحة 354 و 355 أوضح البطلان في زعم الزيادة كما عليه جماعة من أن المعنى. ان الله وعد الذين آمنوا ويتقون الله ويؤمنون برسوله أن يؤتيهم كفلين من رحمته ويجعل لهم نورا يمشون به ويغفر لهم. ومن فوائد ذلك وغاياته ان لا يعلم أهل الكتاب ان الذين آمنوا لا يقدرون على شئ من فضل الله ولأن الفضل بيد الله الآية. وليت شعري لماذا لا تنزه جلالة القرآن المجيد وبراعته عن لغوية هذه الزيادة التي لا غاية فيها إلا الإيهام.
وفي تفسير قوله تعالى في سورة الأعراف " 11 قال ما منعك ان لا تسجد إذ أمرتك قال انا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين " قال في الكشاف أيضا " لا " في أن لا تسجد صلة " أي زائدة " بدليل قوله تعالى اي في سورة (ص) " 75 ما منعك ان تجسد لما خلقت بيدي " ومثلها " لئلا يعلم أهل الكتاب " بمعنى ليعلم انتهى. أقول وإن التدبر في آيات الأعراف. و (ص) يشهد بأن " لا " غير زائدة بل جئ بها في الأعراف للإشارة إلى امر قد صرح به في آيات (ص) وذلك أن الفعل قد يكون له مانع من ضد أو عذل أو غفلة أو عجز أو كسل وقد يكون له سبب داع وحامل على تركه ومخالفته الأمر به فسأل الله انكارا أو توبيخا في سورة (ص) عن المانع بقوله تعالى " ما منعك أن تسجد " وعن السبب والحامل على المخالفة بقوله تعالى (استكبرت أم كنت من العالين) وأشار جل شأنه في سورة الأعراف بوجود (لا) إلى السؤال عن السبب الحامل على المعصية بعد السؤال عن المانع فكأنه قال ما منعك من أن تسجد وما حملك على أن لا تسجد ولذا وقع الجواب من إبليس في كلا المقامين بيان السبب الحامل له على أن لا يسجد لا التعليل بالمانع فقال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين وكذا الكلام في قوله تعالى في سورة طه " 94 قال يا هارون ما منعك إذ رأيتهم ضلوا ان لا تتبعني أفعصيت أمري " فإن التفريع في قوله أفعصيت أمري يدل على أنه قد سبق السؤال عن المانع عن الاتباع وعن السبب الحامل على المعصية بتكره وأشير إليه بإدخال " لا " ولكن قال في الكشاف " لا " مزيدة والمعنى ما منعك ان تتبعني. وقال الله في سورة الأنبياء " 95 وحرام على قربة أهلكناها أنهم لا يرجعون، وفي الكشاف فسر الإهلاك بالعزم عليه وفسر الرجوع بالرجوع من الكفر إلى الإسلام وهذا مختاره على الظاهر من الوجوه الثلاثة، ثم قال فيه و " لا " صلة مزيدة انتهى وليته أبقى الإهلاك على ظاهره وفسر الرجوع بالرجوع إلى الإيمان والتوبة عند مشاهدة آيات الهلاك وأحوال الموت كايمان فرعون عند الغرق كما في سورة يونس 90 وكما في سورة النساء: " 18 حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ". وكما ذكره الله في سورة المؤمنين في حال المشركين والظالمين " 100 حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب أرجعوني لعل أعمل صالحا فيما تركت " فان قولهم هذا رجوع إلى التوبة ولكنها لا تقبل كما قال الله في الموارد الثالثة ويكون معنى الآية الكريمة هو ان أهل القرى التي أهلكها الله حرام عليهم بسبب مشاهدتهم لآيات الإهلاك وحضور الموت وممتنع في العادة ومنفى بالمرة كونهم لا يرجعون إلى التوبة والإيمان بحسب الفطرة وأن كان لا ينفعهم ويستمرون على ما هم فيه حتى إذا جاءت الساعة وصار يوم القيامة وعاينوا ما كانوا يودعون قالوا يا ويلنا قد كنا في غفلة عن هذا.
وقال الله تعالى في سورة آل عمران " 73 ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس