والموضوع في فنه هو الحديث الآحادي الذين يأخذه بما عندهم في طرق الأخذ من رجل عن آخر عن شروط يقررها في السند فكأن البخاري لم يحصل شرطه في سند من أسانيد الحديث الآحادية ولكن الحاكم في مستدركه استدرك عليه وعلى مسلم حديث زيد بن أرقم من طريق حبيب عن أبي الطفيل قال: لما رجع رسول الله (ص) عن حجة الوداع ونزل غدير خم أمر بدوحات فقممن فقال (ص) إني قد دعيت فأجبت إني قد تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله وعترتي فانظروا كيف تخلفوني فيهما فإنما لم يفترقا حتى يردا على الحوض ثم قال: إن الله عز وجل مولاي وأنا مولى كل مؤمن ثم أخذ بيد على فقال من كنت مولاه فهذا وليه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه.
وقال الحاكم هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بطوله. ومن طريق مسلم بن صبيح عنه قال: قال رسول الله (ص) إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وأهل بيتي وإنهما لم يفترقا حتى يردا على الحوض. وقال الحاكم أيضا هذا صحيح الإسناد على شرط الشيخين ولم يخرجاه قلت ولم أجد من تعقب الحاكم على استدراكه بهذين الحديثين فيكون ذلك موافقة ممن عاصر الحاكم ومن بعده على الاستدراك وصحة الحديثين على شرط البخاري ومسلم. ومن طريق سلمة بن كهيل عن أبي الطفيل انه سمع زيد بن أرقم يقول: وساق نحو الحديث الأول وفيه إني تارك فيكم أمرين لن تضلوا ان اتبعتموهما كتاب الله وأهل بيتي عترتي الحديث وتعقبه الذمي بأن في طريقه محمد بن سلمة وقد وهاه السعدي وذكر له ابن عدي أحاديث منكرة. ومراده من السعدي هو إبراهيم بن يعقوب السعدي الجوزجاني كما ذكره في ترجمة محمد بن سلمة (قلت) وما أدراك ما السعدي فإنه معروف بالنصب وفي الميزان عن ابن عدي كان شديد الميل إلى مذهب أهل دمشق في التحامل على علي (ع) وقد قال في إسماعيل بن أبان الوراق شيخ البخاري إنه كان مائلا عن الحق قال ابن عدي ولم يكن يكذب الجوزجاني يريد به ما عليه الكوفيون من التشيع. إذن فاعرف السبب في تحامل الجوزجاني وابن عدي على محمد بن سلمة. ولعمر العلم الحق إن الحديث بتواتره في غنى عن التعرض له في جامع البخاري - هذا واما الرجوع في التفسير وأسباب النزول إلى أمثال عكرمة ومجاهد وعطاء وضحاك كما ملئت كتب التفسير بأقوالهم المرسلة فهو مما لا يعذر فيه المسلم في أمر دينه فيما بينه وبين الله ولا تقوم به الحجة. لأن تلك الأقوال إن كانت روايات فهي مراسيل مقطوعة ولا يكون حجة من المسانيد إلا ما ابتنى على قواعد العلم الديني الرصينة ولو لم يكن من الصوارف عنهم إلا ما ذكر في كتب الرجال لأهل السنة لكفى. وإن الجرح مقدم على التعديل إذا تعارضا. أما عكرمة فقد كثر فيه الطعن بأنه كذاب غير ثقة ويرى رأى الخوارج وغير ذلك. وقيل للأعمش ما بال تفسير مجاهد مخالف أو شئ نحوه قال أخذه من أهل الكتاب ومما جاء عن مجاهد من المنكرات في قوله تعالى " عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا " قال يجلسه معه على العرش. وأما عطاء فقد قال أحمد: ليس في المراسيل أضعف من مراسيل الحسن وعطاء كانا يأخذان عن كل أحد. وقال يحيى في القطان مرسلات مجاهد أحب إلى من مرسلات عطاء بكثير كان عطاء يأخذ من كل ضرب، وروى أنه تكره ابن جريج وقيس بن سعد. وأما الحسن البصري فقد قيل إنه يدلس وسمعت كلام أحمد فيه وفي عطاء. وأما الضحاك ابن مزاحم المفسر فعن يحيى بن سعيد قوله الضحاك ضعيف عندنا وكان يروى عن ابن عباس وأنكر ملاقاته له حتى قيل إنه ما رآه قط. وأما قتادة فقد ذكروا أنه مدلس. وأما مقاتل بن سليمان فقد قال فيه وكيع: كان كذابا. وقال النسائي كان مقاتل يكذب، وعن يحيى قال: حديثه ليس بشئ، وقال ابن حيان كان يأخذ من اليهود والنصارى من علم القرآن الذي يوافق كتبهم. وأما مقاتل بن حيان فعن وكيع أنه ينسب إلى الكذب وعن ابن معين ضعيف وعن أحمد بن حنبل لا يعبأ بمقاتل بن حيان ولا بابن سليمان فانظر إلى ميزان الذهبي من كتب الرجال أفلا ودع عنك أن أصول العلم عندنا تأبى من الركون إلى روايتهم فضلا عن أقوالهم إلا في مقام الجدل أو التأييد أو حصول الاستفاضة والتوافق في الحديث.