القرآن الكريم واستعاراته الواضحة العلاقة والفائقة في لحاظ التشبيه ومرمى الإشارة والمؤيدة بأحكام العقل ومحكمات الكتاب هذه الاستعارات التي كانت من أزهار الأدب العربي الغريزي حينما كان روضه زاهيا زاهرا عادت بعدما ذوى خميلة معركة للآراء للجحود وإن حامت عنها محكمات الكتاب ونصرتها البراهين العقلية في تقديس الله وتفرده بالكمال. فمن ذلك ما في القرآن من نسبة الإضلال إلى الله جل اسمه في عدة آيات السابعة والعشرون من سورة الرعد والثانية والثلاثون من سورة إبراهيم ونحوهما. فإن التعبير في ذلك بالإضلال مجاز فائق في الحسن يمثل ببراعته حاجة الإنسان مع نفسه إلى لطف الله به وعنايته في توفيقه ويشير إلى ما في اللطف والتوفيق من الأثر الشريف الكبير في النعمة على الإنسان وينبه إل أن خذلان الله للإنسان المتمرد برفع العناية في التوفيق وإيكاله إلى نفسه شبيه بإضلاله في قوة الأثر، كل ذلك لأجل التنويه والامتنان بنعمة الله في توفيقه لعباده ولأجل هذه المزايا الفائقة استعير الإضلال لخذلان الله لعبده المتمرد وإيكاله إلى نفسه والعياذ بالله.
ولقد كان يكفي في القرينة على التجوز في لفظ الإضلال هنا وصرفه عن مقتضى وضعا ما في القرآن من المحكمات مثل قوله تعالى في سورة الأعراف " 27 إن الله لا يأمر بالفحشاء " وفي سورة النحل " 92 إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون " فإن تمجد الله بذلك كاف في كونه قرينة على أن الإضلال المنسوب لله تعالى شأنه إنما هو مجاز. وإن مجده وألطافه جلت آلاؤه تعين المراد منه وهو ما ذكرناه وكيف يكون الإضلال المنسوب إلى الله على حقيقته مع أن الله يذم الضالين ويعذبهم على ضلالهم ويوبخهم بقوله تعالى " كيف تكفرون بالله. لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق. لم تصدون عن سبيل الله. فمالكم كيف تحكمون.
فما لهم لا يؤمنون. فما لهم عن التذكرة معرضين. وما ذا عليهم لو آمنوا " وتمام الكلام في الكتب الكلامية.
وقد ذكر شئ منه في الجزء الثالث من الرحلة المدرسية صفحة 29 إلى 42 الطبعة الأولى: ومن ذلك أن الفرقة الظاهرية لم تلتفت إلى المجاز ووجهه الواضح في قوله تعالى " الرحمن على العرش استوى " ولم يصرفهم عن المعاني الحقيقة لهذه الألفاظ ضرورة العلم من القرآن والبراهين القطعية في أن الله منزه عن الجسم والأين والمكان لكي يعرفوا أن المراد بالعرش هنا هو شأن القدرة والجلال واستيلاء السلطان على الملكوت في الأزل والأبد. ولأجل إحضار هذا الشأن العظيم في أذهاننا القاصرة وملأ قلوبنا بعظمته مثل القرآن لتصورنا المحدود بتشبيه بما نعرفه ونعرف آثاره من العرش الجسماني للملك الأراضي الذي بالصعود عليه صعودا زمنيا ينفذ سلطانه وتعم قدرته.
ومن آثار الظاهريين العجبية ما أخرجه ابن مردويه والخطيب في تاريخه وابن منصور في سنته من مسند عمر عن النبي (ص) في قوله تعالى " على العرش استوى " قال حتى يسمع له أطيط (كأطيط) الرحل. وانظر إلى كنز العمال الجزء الأول صفحة 226 وكذا منتخب الكنز وأطيط الرحل والقتب صوته أي صوت أخشابه من ضغط ثقل الراكب والحمل وسيأتي شبيه ذلك في تفسير آية الكرسي. وفي ميزان الذهبي من أنكر ما جاء عن مجاهد في التفسير في قوله " عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا " قال يجلسه معه على العرش. وفي شواهد الحق كتاب الشيخ يوسف النهائي صفحة 130 قال ومن كتب ابن تيمية كتاب العرش قال في كشف الظنون ذكر فيه أن الله يجلس على العرش وقد أخلى فيه مكانا يقعد معه فيه رسول الله (ص) كما ذكر ذلك أبو حيان في قوله تعالى " وسع كرسيه السماوات والأرض " وقال يعنى أبا حيان قرأت في كتاب العرش لأحمد بن تيمية بخطه ما صورته ما ذكرناه ونقلها كشف الظنون من طريق آخر عن السبكي انتهى. وعلى هذا الوتر ضرب محمد بن عبد الوهاب في رسالته المطبوعة في ضمن مجموعة فيها عدة من الرسائل طبعت في مكة فانظر إلى صفحة 155 و 156 من المجموعة وكذا عبد الرحمن بن حسن الوهابي في صفحة 36 من المجموعة المذكورة.