صليت خلف النبي (ص) وأبى بكر وعمر وعثمان وعلى وكلهم كان يقرأ ملك يوم الدين. وروى أيضا ان أول من قرأ مالك يوم الدين هو مروان بن الحكم (وأما خاصا) وهو فصل الخطاب فقد روى من طرق الشيعة في الكافي مسندا عن أبي جعفر الباقر (ع) ان القرآن واحد نزل من عند واحد ولكن الاختلاف يجئ من قبل الروايات. وارسل الصدوق نحوه في اعتقاداته عن الصادق (ع) وفي الكافي أيضا في الصحيح عن الفضيل بن يسار قال: قلت لأبي عبد الله (ع) ان الناس يقولون إن القرآن نزل على سبعة أحرف فقال (ع) كذبوا. و لكنه نزل على حرف واحد من عند الواحد. ويؤيد ما ذكرناه السياري له أيضا عن الباقر والصادق عليهما السلام.
(الفصل الرابع في تفسيره) والحاجة إليه مقامات (الأول) في مفردات ألفاظه وبيان معناها في العربية - قد انزل القرآن الكريم على افصح لغات العرب وأكثرها تداولا ومألوفية لنوع العرف فلا تخفى معاني مفرداته على العرب إلا ندرا لبعض الجهات التي لا ينفك عنها نوع الإنسان كما يروى في الأب والقضب في قوله تعالى في سورة عبس " وفاكهة وأبا وعنبا وقضبا " ولكن لما تشرفت الأمم من غير العرب بالإسلام وتطورت اللغة العربية بسبب الاختلاط ومرور الزمان عرض لبعض الألفاظ التي كانت متداولة مأنوسة معروفة المعاني في عصر النزول أن صارت غريبة بعد ذلك في استعمال العامة بعيدة عن فهمهم لمعانيه. ولا زال ذلك يزداد يوما فيوما حتى سرى داؤه بعض الخواص. ولاستراحتهم في ذلك إلى الاتباع والتقليد اثر غير هين.
إذن فيرجع في التفسير ألفاظه الشريفة إلى ما يحصل به الاطمئنان والوثوق من مزاولة علم اللغة العربية والتدبر في موارد استعمالها بما يعرف انه من كلام العرب ولغتهم. وان للتدبر في أسلوب القرآن الكريم وموارد استعماله وقراءتها دخلا كبيرا في ذلك. واما محض الركون إلى آحاد اللغويين تعبدا بكلامهم وتقليدا لآرائهم فذاك مما لا مساغ له. فإن الأغلب أو الغالب مما يستندون إليه في أقوالهم ما هو إلا الاعتماد على ما يحصلونه بحسب أفهامهم وتتبعهم لموارد الاستعمال مع الخلط للحقيقة بالمجاز وعدم التثبت بالقرائن ومزايا الاستعمال. الا ترى كم يشهد بعضهم على بعض بالخطأ والوهم.
ومن شواهد ما ذكرناه ما وقع في تفسير اللمس والمس من الاضطراب والخبط. ففي النهاية مست الشئ إذا لمسته بيدك. وفي القاموس لمسه مسه بيده ومسته أي لمسته. وفي المصباح مسته أفضيت إليه بيدي من دون حائل هكذا قيدوه وقال قبل ذلك لمسه أفضى إليه باليد: هكذا فسروه. وقال ابن دريد أصل اللمس باليد ليعرف مس الشئ وقال لمست مسست وكل ماس لامس. وقال الفارابي اللمس المس. وفي التهذيب عن ابن الاعرابي: اللمس يكون مس الشئ وقال في باب الميم المس مسك الشئ بيدك، وقال الجواهري اللمس المس ثم قال في المصباح وإذا كان اللمس هو المس فكيف يفرق الفقهاء بينهما انتهى. ولعلك تذعن بأن الفقهاء أحذق في استفادة المعنى من تتبع موارد الاستعمال وذلك لما اعتادوه وشحذوا به أذهانهم من بذل الجهد بالبحث والتحقيق فإن الفرق بين معنى اللمس والمس واضح بحكم التبادر والتتبع لموارد الاستعمال. وغير خفى ان المعروف والمتبادر تبادرا يجزم معه بعدم النقل عن المعنى اللغوي الأصلي هو أن اللمس هو الإصابة بما به الإحساس من البدن بقصد الإحساس لملموس لا خصوص اللمس باليد ولا مطلق المس نعم كثير من موارد اللمس ما يكون باليد باعتبار انها آلة عادية وأقوى إحساسا. كما أن المس هو مطلق الإصابة لا بقصد الإحساس وقد صرح جماعة من أساطين علمائنا بأن معنى المس لغة بل وعرفا هو ما ذكرناه كما في المعتبر والمنتهى وروض الجنان والحدائق بل والمهذب البارع وأظن أن الذي يحقق في مراجعة العرف والتبادر وتتبع موارد الاستعمال قديما وحديثا لا يشك في أن معنى اللمس هو ما ذكرناه أولا.