ومما يشهد لما ذكرناه ويجلو تمثيله لبداهة الاعتبار إن اليد الأثيمة غلبت بسنوح الفرصة حتى على المحدثين والمفسرين فدست في كثير من كتب التفسير خرافة الغرانيق وخرافة سبب النزول في آية التمني من سورة الحج كما تجده في أكثر التفاسير. فلوثت قدس رسول الله (ص) بما شاءت وسنحت به لها الفرصة. وكذا قدس جميع الأنبياء والمرسلين في حديثهم. وتلاوتهم بحيث لا يبقى بهم أدنى وثوق في ذلك (1).
هذا في وجهة الاعجاز الذي تقوم به الحجة على العرب. وأن للقران المجيد أيضا وجوها من الاعجاز مما يشترك في معرفتها كل بشر ذي رشد إذا اطلع عليها. وهى عديدة نشير إلى بعض منها في هذا المختصر:
إعجاز من وجهد التاريخ لا نقول بذلك بمحض إخباره عن الحوادث الماضية والأمم الخالية وإن كان رسول الله الذي جاء به لا يقرأ ولا يكتب ولم يدخل مدرسة ولم يمارس تعلما. كما هو المعلوم من تاريخ حياته (ص). فإنه يمكن أن يقال إن هذا في تاريخه في بعض القصص مع التوراة الرائجة التي اتفق اليهود والنصارى على أنه كتاب الله المنزل على رسوله موسى فأوردت هذه التوراة تلك القصص وهى مملوءة من الخرافات أو الكفر أو عدم الانتظام الذي تشابه فيه كلام المبتلى والخداع إلى الله جل وعلا وسائر شؤون القصد على ما جاء في الفصل الثالث من سفر التكوين. ومن ذلك ما جاء في الفصل الخامس عشر منه من شك إبراهيم في وعد الله بإعطائه الأرض في سوريا ومن ذكر العلامة في ذلك: ومن ذلك ما جاء في الفص الثامن عشر والتاسع عشر في مجئ الملائكة إلى إبراهيم بالبشرى بإسحاق وإخبار بأمر هلاك قوم لوط ومن حكاية ذهابهم إلى لوط وخطابهم معه. ومن ذلك ما جاء في الفصل الثالث من سفر الخروج في خطاب الله لموسى من الشجرة وفى أواخره ما حاصله: أن الله جل شأنه افتتح الرسالة لموسى بالتعليم بالكتب، ومن ذلك ما جاء في الفصل الثاني والثلاثين في سفر الخروج في أن هارون هو الذي عمل العجل ليكون إلها لبنى إسرائيل ودعى لعبادته وبنى له رسوم العبادة فانظر إلى هذه القصص في مواردها المذكورة من التوراة الرائجة - والقران الكريم أورد القصة الأولى في سورتي الأعراف وطه - والثانية في أواخر سورة البقرة - والثالثة في سورتي هود والذاريات والرابعة في سور طه والنمل والقصص - والخامسة في سورة طه والأعراف لجاءت هذه القصص بكرامة الوحي الإلهي منزهة عن كل خرافة وكفر وعن كل ما ينافي قدس الله وقدس أنبيائه. جارية على المعقول. منتظمة الحجة. شريفة البيان. وذلك مما يقيم الحجة ويوجب اليقين بأنه لا يكون إلا من وحى الله ولا يكون من بشر بما هو بشر مثل رسول الله الذي لم يمارس تعلما في المعارف الإلهية ولم يتخرج عن مدرسة ولم يترب إلا بين أغراب وحشيين وثنيين على أوحش جانب من الوحشية والوثنية. بل لو مارس جميع التعاليم وتخرج من جميع الكليات لما أمكنه أن يتنزه وينزه معارفه وكلامه من أمثال هذه الخرافات الكفرية.
لم يكن في ذلك العصر وما قبله إلا تعاليم اليهود والنصارى. وأساسها في الداية مبنى على ما أشرنا إليه من خرافات التوراة الرائجة، فهم عكوف في عبادتهم ومواسمهم وتعاليم ومدارسهم. أو تعاليم الوثنين ومنهم قومه.
تلك التعاليم الجهلية الخاسئة. أو تعاليم المجوس المتشعبة من كلا التعليمين المذكورين فإنه صلوات الله عليه لو كان أخذ القصص المذكورة من ذات التوراة الرائجة بالاتقان أو من الروحانيين المسيطرين على تعليمها وأراد أن يقول بها على الوحي تزلفا أو مخادعة ليستجيبوا إلى اتباع دعوته لاتى بها على ما في التوراة من الخرافة والكفر. ولو كان