تفسير شبر - السيد عبد الله شبر - الصفحة ١٢
الفصل الثاني في جمعه في مصحب واحد لم يزل القرآن الكريم بحسب حكمة الوحي والتشريع والمصالح المقتضيات المتجددة آنا فآنا يتدرج في نزوله نجوما (1) الآية والآيتان والأكثر والسورة. وكلما نزل شئ هفت إليه قلوب المسلمين وانشرحت له صدورهم وهبوا إلى حفظه بأحسن الرغبة والشوق وأكمل الاقبال وأشد الارتياح. فتلقوه بالابتهاج وتلقوه بالاغتنام من تلاوة الرسول العظيم الصادع بأمر الله والمسارع إلى التبليغ والدعوة إلى الله وقرآنه. وتناوله حفظهم بما امتازت به العرب وعرفوا به من قوة الحافظة الفطر به وأثبتوه في قلوبهم كالنقش في الحجر. وكان شعار الاسلام وسمة المسلم حينئذ هو التجمل والتكمل بحفظ ما ينزل من القرآن الكريم. لكي يتبصر بحججه وبتنور بمعارفه وشرائعه وأخلاقه الفاضلة وتاريخه المجيد وحكمته الباهرة وأدبه العربي الفائق المعجز. فاتخذ المسلمون تلاوته لهم حجة الدعوة. ومعجز البلاغة. ولسان العبادة لله. ولهجة ذكره وترجمان مناجاته. وأنيس الخلوة. وترويح النفس. ودرسا للكمال.
وتمرينا في التهذيب. وسلما للترقي. وتدربا للتمدن. وآية الموعظة. وشعار الاسلام. ووسام الايمان والتقدم في الفضيلة. استمر المسلمون على ذلك حتى صاروا في زمان الرسول يعدون بالألوف وعشراتها ومئاتها. وكلهم من حملة القرآن وحفاظه (2) وإن تفاوتوا تفاوتوا في ذلك بحسب السابقة والفضيلة.. هذا ولما كان وحيه لا ينقطع في حياة رسول الله (ص) لم يكن كله مجموعا في مصحف واحد وإن كان ما أوحى منه مجموعا في قلوب المسلمين وكتاباتهم له..
ولما اختار الله لرسوله دار الكرامة وانقطع الوحي بذلك فلا يرجى للقرآن نزول، تتمة رأى المسلمون أن يسجلوه في مصحف جامع، فجمعوا مادته على حين إشراف الألوف من حفاظه ورتابة مكتوباته الموجودة عند الرسول، وكتاب الوحي وسائر المسلمين جملة وأبعاضا وسورا (3) نعم لم يترتب على ترتيب نزوله ولم يقدم منسوخه على

(١) ولا بد من أن تكون كتب الوحي والدعوة. والتشريع جارية في كمالها على منهاج هذه الحكمة. ومما يشير إلى ذلك:
أن التوراة الرائجة تذكر أن نزول التوراة على موسى (ع) كان من زمان تكليمه من الشجرة متدرجا بحسب الأزمان. والحوادث والتاريخ. والحكم في التشريع إلى حين وفاته بعد التيه عند عبر الأردن. ومتراخيا في أكثر من أربعين سنة فانظر في شرح هذا المجمل إلى المقدمة الثانية من (الهدى إلى دين المصطفى ج ١ ص ٩ - ١٢) لمؤلف هذا الكتاب.
(٢) أخرج ابن سعد. وابن عساكر عن محمد بن كعب القرظي. قال: جمع القرآن - أي حفظا - في زمان النبي (ص) خمسة من الأنصار: معاذ بن جبل. وعبادة بن الصامت. وأبي بن كعب. وأبو أيوب الأنصاري. وأبو أيوب الأنصاري. وأبو الدرداء.
وأخرج ابن سعد. ويعقوب بن سفيان والطبراني. وابن عساكر. عن الشعبي. قال جمع القرآن على عهد رسول الله (ص) ستة من الأنصار: أبي بن كعب. وزيد بن ثابت. ومعاذ بن جبل. وأبو الدرداء وسعد بن عبيد. وأبو زيد. وكان مجمع بن جارية قد أخذه كله إلا سورتين أو ثلاثة.
وأخرج ابن عساكر عن محمد بن كعب القرظي قال: كان ممن ختم القرآن - ورسول الله (ص) حي - عثمان بن عفان.
وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود.
وأخرج عن أنس: قرأ القرآن على عهد رسول الله: معاذ بن جبل. وأبى. وسعد. وأبو زيد.
وأخرج الحاكم في الصحيح على شرط البخاري ومسلم. عن زيد بن ثابت قال: كنا عند رسول الله (ص) نؤلف القرآن من الرفاع وفى رواية حول رسول الله (ص) نؤلف القرآن فانظر إلى (كنز العمال ومنتخبه أبلا) ولم أذكر هذه الروايات احتجاجا بها للعقيقة المعلومة ولكن لتجبه بالمعارضة بعض الروايات الشاذة الواردة في خلاف ما ذكرناه من حفظ المسلمين في عصر التي (ص) وبعده للقرآن الكريم (3) ومما يشهد لما ذكرناه ما جاء عن أبي عبيد في فضائله وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه مسندا عن عمر بن عامر الأنصاري أن عمر بن الخصاب قرأ: والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار الذين اتبعوهم باحسان فرفع الأنصار ولم يدخل واو العطف على الذين فقال له زيد بن ثابت والذين اتبعوهم باحسان فقال عمر: الذين اتبعوهم باحسان فقال زيد: أمير المؤمنين اعلم فقال عمر: إيتوني بأمر بن كعب فسأله عن ذلك فقال: والذين اتبعوهم باحسان فجعل كل واحد منهما يشير إلى أنف صاحبه بإصبعه. فقال أبى: والله أقرأنيها رسول الله (ص) وأنت تتبع الخبط، فقال عمر: فنعم إذن. فنعم إذن وأخرج أبو عبيد في فضائله وسنيد وابن جرير، وأبو الشيخ، عن محمد بن كعب القرظي.
وأخرج أبو الشيخ في تفسيره، والحاكم في المستدرك مصححا على شرط البخاري ومسلم. عن اسامة ومحمد بن إبراهيم التيمي: انه جرى بين عمر. أبي بن كعب في هذه الآية نحو ذلك فانظر في كنز العمال ومنتخبه.
(١٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 ... » »»