الفصل الثاني في جمعه في مصحب واحد لم يزل القرآن الكريم بحسب حكمة الوحي والتشريع والمصالح المقتضيات المتجددة آنا فآنا يتدرج في نزوله نجوما (1) الآية والآيتان والأكثر والسورة. وكلما نزل شئ هفت إليه قلوب المسلمين وانشرحت له صدورهم وهبوا إلى حفظه بأحسن الرغبة والشوق وأكمل الاقبال وأشد الارتياح. فتلقوه بالابتهاج وتلقوه بالاغتنام من تلاوة الرسول العظيم الصادع بأمر الله والمسارع إلى التبليغ والدعوة إلى الله وقرآنه. وتناوله حفظهم بما امتازت به العرب وعرفوا به من قوة الحافظة الفطر به وأثبتوه في قلوبهم كالنقش في الحجر. وكان شعار الاسلام وسمة المسلم حينئذ هو التجمل والتكمل بحفظ ما ينزل من القرآن الكريم. لكي يتبصر بحججه وبتنور بمعارفه وشرائعه وأخلاقه الفاضلة وتاريخه المجيد وحكمته الباهرة وأدبه العربي الفائق المعجز. فاتخذ المسلمون تلاوته لهم حجة الدعوة. ومعجز البلاغة. ولسان العبادة لله. ولهجة ذكره وترجمان مناجاته. وأنيس الخلوة. وترويح النفس. ودرسا للكمال.
وتمرينا في التهذيب. وسلما للترقي. وتدربا للتمدن. وآية الموعظة. وشعار الاسلام. ووسام الايمان والتقدم في الفضيلة. استمر المسلمون على ذلك حتى صاروا في زمان الرسول يعدون بالألوف وعشراتها ومئاتها. وكلهم من حملة القرآن وحفاظه (2) وإن تفاوتوا تفاوتوا في ذلك بحسب السابقة والفضيلة.. هذا ولما كان وحيه لا ينقطع في حياة رسول الله (ص) لم يكن كله مجموعا في مصحف واحد وإن كان ما أوحى منه مجموعا في قلوب المسلمين وكتاباتهم له..
ولما اختار الله لرسوله دار الكرامة وانقطع الوحي بذلك فلا يرجى للقرآن نزول، تتمة رأى المسلمون أن يسجلوه في مصحف جامع، فجمعوا مادته على حين إشراف الألوف من حفاظه ورتابة مكتوباته الموجودة عند الرسول، وكتاب الوحي وسائر المسلمين جملة وأبعاضا وسورا (3) نعم لم يترتب على ترتيب نزوله ولم يقدم منسوخه على