تفسير شبر - السيد عبد الله شبر - الصفحة ٦
واحدة من مثله إن كان مما تناله قدرة البشر المحدودة وقد نادى بقرار الانصاف والمماشاة وجعل لهم إن أتوا بعشر سور أو سورة من مثله أن تسقط عنهم هذه الدعوة ويستريحوا من ثقلها الباهظ لضلالهم ويدعوا من يستطيعون عقلا أن يدعوه من دون الله لو استطاعوا أو وجدوا إلى ذلك من المعقول سبيلا. جعل لهم ذلك من باب المماشاة والمجاراة في الحجة تعليقا على المستحيل ولهم في ذلك المهلة والاناء ليعدوا عدتهم في المظاهرة والتعاون ففي سورة هو المكية (13: أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دونا لله إن كنتم صادقين 14:
فإن لم يستجيبوا لكم فاعملوا إنما أنزل بعلم الله) وفى سورة يونس المكية (38: أم يقولون افتراء قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين) وفى سورة البقرة (21: وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فاتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين) فيما تدعونهم وتصفونهم به (32) فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار) الآية وفى سورة الإسراء المكية (90: قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا) هذا وقد مضت لهم عدة أعوام ودعوة الرسالة والاعذار والانذار والاحتجاج باعجاز القرآن دائمة عليهم وهم في أشد الضجر من ذلك والكراهية له والخوف من عاقبته.
وفى أشد التألم من آثار الدعوة وتقدمها وظهورها وفى أشد الرغبة في أهوائهم الوحشية ورئاساتهم والعكوف على معبوداتهم ومع ذلك لم يستطيعوا أن يعارضوا شيئا من القرآن الكريم ولو بأن يأتوا بسورة من مثله لكي تظهر حجتهم وتسقط عنهم حجة الرسول ويستريحوا من عنائهم وقلقهم وآلامهم من دعوته التي شتتت جامعتهم الأوثانية وهددت رئاساتهم الوحشية وتشريعاتهم الأهوائية وفرقت بين الأب منهم وبينه والأخ وأخيه والزوج وزوجه والقريب وقريبه وكدرت صفاءهم ونافرت بين عواطفهم. وقد سامهم في دعوته إصلاحا وخضوعا لم يكونوا يحتسبونه ولم يجدوا لذلك حيلة إلا الجحود السخيف والعناد الشديد وقساوة الاضطهاد والاستشفاع بأبى طالب في ترك الرسول لدعوته أو تمردهم بالمثابرة الوحشية فاقتحموا فيها الأهوال وتجشموا المصاعب وقتال الأقارب والاخوان ومقاساة الشدائد وذلة المغلوبية فلماذا لم يتظاهروا بأجمعهم عشر سنوات أو أكثر ويأتوا بشئ من مثل القرآن الكريم ولو سورة واحدة ويفاخروا الرسول (ص) ويحاكموه في المواسم والمحافل التي أعدوها لمثل ذلك فتكون لهم الحجة والانتصار في الحكومة وقرار النصفة وينادوا بالغلبة ويستريحوا من عناء هذه الدعوة وتهديدها لضلالهم.
فلماذا لم يفعلوا ذلك والقرآن والرسول قد دعواهم إلى ذلك تعجيزا. وهم وينابيع فصاحتهم وبلاغتهم غزيرة.
وغرائزهم في الأدب العربي متدفقة. وقرائحهم سيالة ومواد القرآن في مفرداته وتراكيبه من لغتهم وأسلوبه من نحو صناعتهم التي لهم فيها الممارسة التامة والمهارة الفائقة والرقى المعروف ولله الحجة البالغة.
ولو كان هناك أقل قليل من المعارضة والاتيان بسورة واحدة من مثل القرآن لرفعه الضلال نارا على علم.
واختلفت فيه ألوف الألوف من أضداد الاسلام والقرآن ولسجلته دواوينهم في أقطار الأرض وأجيال الأمم.
وتلقوه بأحسن ابتهاج وصالوا به أكبر صولة. لأنه الفيصل السلمي والحجة الأدبية التي ما فوقها حجة لهم في الجدل الاسلام لكي يقال أنه أخفته شوكة المسلمين أو دسائس تواطيهم. بل إن بذرته ومغرسه وسوره وحفظه وحياطته ترجع إلى ألوف الألوف في كل جيل من أنصاره أضداد الاسلام والقرآن سواء كان ذلك قبل الهجرة أو بعدها أو بعد زمان الرسول (ص). ألا ترى أنه بعد أن ضرب الاسلام بحرانه في جزيرة العرب بقي في اليمن وسوريا والعراق كثير من اليهود والنصارى وأمثالهم وهم الألوف أو ألوف من العرب أو من يعرف اللغة العربية ويتكلم بها ويتأدب بآدابها. وأضف إلى ذلك المنافقين الذين كانوا يكيدون الاسلام جهد وسعهم في عصر الرسول وبعده.
فهل يخفى على هؤلاء ما هو ضالتهم المنشودة. وسلاح سطوتهم. وعدة صولتهم وأقطع حجة لهم وأكبر مدافع عن أديانهم؟ فإنه لا عطر بعد عرس ولكن ماذا يصنعون بالعدم. وعدم القدرة من المتأخر على الاختلاق.
(٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 ... » »»