قوله تعالى: " إنا أرسلنا إليكم رسولا شاهدا عليكم كما أرسلنا إلى فرعون رسولا " إنذار للمكذبين اولي النعمة من قومه صلى الله عليه وآله وسلم بعد ما أوعد مطلق المكذبين اولي النعمة بما أعد لهم من العذاب يوم القيامة بقياس حالهم إلى حال فرعون المستكبر على الله ورسوله المستذل لرسول الله ومن آمن معه من قومه ثم قرع أسماعهم بما انتهى إليه أمر فرعون من أخذ الله له أخذا وبيلا فليتعظوا وليأخذوا حذرهم.
وفي الآية التفات عن الغيبة إلى الخطاب كأن المتكلم لما أوعدهم بالعذاب على الغيبة هاج به الوجد على أولئك المكذبين بما يلقون أنفسهم بأيديهم إلى الهلاك الأبدي لسفاهة رأيهم فشافههم بالانذار ليرتفع عن أنفسهم أي شك وترديد وتتم عليهم الحجة ولعلهم يتقون، ولذا عقب قياسهم إلى فرعون وقياس النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى موسى عليه السلام والإشارة إلى عقابه أمر فرعون بقوله " فكيف تتقون إن كفرتم يوما " الخ.
فقوله: " إنا أرسلنا إليكم رسولا شاهدا عليكم " إشارة إلى تصديق رسالة النبي صلى الله عليه وآله من قبله تعالى وشهادته على أعمالهم بتحملها في الدنيا وتأديتها يوم القيامة، وقد تقدم البحث عن معنى شهادة الأعمال في الآيات المشتملة عليها مرارا، وفي الإشارة إلى شهادته صلى الله عليه وآله وسلم نوع زجر لهم عن عصيانه ومخالفته وتكذيبه.
وقوله: " كما أرسلنا إلى فرعون رسولا " هو موسى بن عمران عليه السلام.
قوله تعالى: " فعصى فرعون الرسول فأخذناه أخذا وبيلا " أي شديدا ثقيلا.
إشارة إلى عاقبة أمر فرعون في عصيانه موسى عليه السلام، وفي التعبير عن موسى بالرسول إشارة إلى أن السبب الموجب لاخذ فرعون مخالفته أمر رسالته لا نفس موسى بما أنه موسى، وإذا كان السبب هو مخالفة الرسالة فليحذروا مخالفة رسالة محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
كما أن وضع الظاهر موضع الضمير في قوله: " فعصى فرعون " للايماء إلى أن ما كان له من العزة والعلو في الأرض والتبجح بكثرة العدة وسعة المملكة ونفوذ المشية لم يغن عنه شيئا ولم يدفع عنه عذاب الله فما الظن بهؤلاء المكذبين؟ وهم كما قال الله: " جند ما هنالك مهزوم من الأحزاب " ص: 11.
قوله تعالى: " فكيف تتقون إن كفرتم يوما يجعل الولدان شيبا " نسبة الاتقاء إلى اليوم من المجاز العقلي والمراد اتقاء العذاب الموعود فيه، وعليه فيوما مفعول به لتتقون،