قوله تعالى: " وذرني والمكذبين اولي النعمة ومهلهم قليلا " تهديد للكفار يقال:
دعني وفلانا وذرني وفلانا أي لا تحل بيني وبينه حتى أنتقم منه.
والمراد بالمكذبين اولي النعمة الكفار المذكورون في الآية السابقة أو رؤساؤهم المتبوعون، والجمع بين توصيفهم بالمكذبين وتوصيفهم بأولي النعمة للإشارة إلى علة ما يهددهم به من العذاب فإن تكذيبهم بالدعوة الإلهية وهم متنعمون بنعمة ربهم كفران منهم بالنعمة وجزاء الكفران سلب النعمة وتبديلها من النقمة.
والمراد بالقليل الذي يمهلونه الزمان القليل الذي يمكثون في الأرض حتى يرجعوا إلى ربهم فيحاسبهم ويجازيهم قال تعالى: " إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا " المعارج: 7، وقال: " متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد " آل عمران: 197.
والآية بظاهرها عامة، وقيل: وعيد لهم بوقعة بدر وليس بظاهر، وفي الآية التفات عن الغيبة في " ربك " إلى التكلم وحده في " ذرني " ولعل الوجه فيه تشديد التهديد بنسبة الامر إليه سبحانه نفسه ثم التفت في قوله: " إن لدينا " إلى التكلم مع الغير للدلالة على العظمة.
قوله تعالى: " إن لدينا أنكالا وجحيما " تعليل لقوله " ذرني " الخ والانكال القيود، قال الراغب يقال: نكل عن الشئ ضعف وعجز، ونكلته قيدته والنكل - بالكسر فالسكون - قيد الدابة وحديدة اللجام لكونهما مانعين والجمع الانكال انتهى، وقال: الجحمة شدة تأجج النار ومنه الجحيم، انتهى.
قوله تعالى: " وطعاما ذا غصة وعذابا أليما " قال في المجمع: الغصة تردد اللقمة في الحلق ولا يسيغها آكلها يقال: غص بريقه يغص غصصا، وفي قلبه غصة من كذا وهي كاللدغة التي لا يسوغ معها الطعام والشراب، انتهى.
والآيتان تذكران نقم الآخرة التي بدلت منها نعم الدنيا جزاء لكفرانهم بنعم الله.
قوله تعالى: " يوم ترجف الأرض والجبال وكانت الجبال كثيبا مهيلا " ظرف للعذاب الموعود في الآيتين السابقتين، قال الراغب: الرجف الاضطراب الشديد يقال:
رجفت الأرض والبحر انتهى. وفي المجمع: الكثيب الرمل المجتمع الكثير، وهلت أهيله هيلا فهو مهيل إذا حرك أسفله فسال أعلاه انتهى، والمعنى ظاهر.