تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٢٠ - الصفحة ٢٠٦
قوله تعالى: " قتل الانسان ما أكفره " دعاء على الانسان لما أن في طبعه التوغل في اتباع الهوى ونيسان ربوبية ربه والاستكبار عن اتباع أوامره.
وقوله " ما أكفره " تعجيب من مبالغة في الكفر وستر الحق الصريح وهو يرى أنه مدبر بتدبير الله لا يملك شيئا من تدبير أمره غيره تعالى.
فالمراد بالكفر مطلق ستر الحق وينطبق على إنكار الربوبية وترك العبادة ويؤيده ما في ذيل الآية من الإشارة إلى جهات من التدبير الربوبي المتناسبة مع الكفر بمعنى ستر الحق وترك العبادة، وقد فسر بعضهم الكفر بترك الشكر وكفران النعمة وهو وإن كان معنى صحيحا في نفسه لكن الأنسب بالنظر إلى السياق هو المعنى المتقدم.
قال في الكشاف: " قتل الانسان " دعاء عليه وهي من أشنع دعواتهم لان القتل قصارى شدائد الدنيا وفظائعها و " ما أكفره " تعجب من إفراطه في كفران نعمة الله ولا ترى أسلوبا أغلظ منه، ولا أخشن مسا، ولا أدل على سخط، ولا أبعد شوطا في المذمة مع تقارب طرفيه، ولا أجمع للأئمة على قصر متنه، انتهى.
وقيل جملة " ما أكفره " استفهامية والمعنى ما هو الذي جعله كافرا، والوجه المتقدم أبلغ.
قوله تعالى: " من أي شئ خلقه " معناه على ما يعطيه المقام من أي شئ خلق الله الانسان حتى يحق له أن يطغى ويستكبر عن الايمان والطاعة، وحذف فاعل قوله:
" خلقه " وما بعده من الافعال للاشعار بظهوره فمن المعلوم بالفطرة - وقد اعترف به المشركون - أن لا خالق إلا الله تعالى.
والاستفهام بداعي تأكيد ما في قوله: " ما أكفره " من العجب - والعجب إنما هو في الحوادث التي لا يظهر لها سبب - فأفيد أولا: أن من العجب إفراط الانسان في كفره ثم سئل ثانيا: هل في خلقته إذ خلقه الله ما يوجب له الافراط في الكفر فأجيب بنفيه وأن لا حجة له يحتج بها ولا عذر يعتذر به فإنه مخلوق من ماء مهين لا يملك شيئا من خلقته ولا من تدبير أمره في حياته ومماته ونشره، وبالجملة الاستفهام توطئة للجواب الذي في قوله: " من نطفة خلقه " الخ.
قوله تعالى: " من نطفة خلقه فقدره " تنكير " نطفة " للتحقير أي من نطفة مهينة حقيرة خلقه فلا يحق له وأصله هذا الأصل أن يطغى بكفره ويستكبر عن الطاعة.
وقوله " فقدره " أي أعطاه القدر في ذاته وصفاته وأفعاله فليس له أن يتعدى الطور
(٢٠٦)
مفاتيح البحث: الشكر (1)، القتل (2)، الحج (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 201 202 203 204 205 206 207 208 209 210 211 ... » »»
الفهرست