فقد بدل نعمة الله نقمة وأخذ صفة غريزية خلقها الله وسيلة له يتوسل بها إلى سعادة الدنيا والآخرة وسيلة إلى الشقوة والهلكة تسوقه إلى الادبار والتولي والجمع والايعاء كما في الآيات.
وقد بان مما تقدم أنه لا ضير في نسبة هلع الانسان في الآيات إلى الخلقة والكلام مسوق للذم وقد قال تعالى: " الذي أحسن كل شئ خلقه " السجدة: 7، وذلك أن ما يلحقه من الذم إنما هو من قبل الانسان وسوء تدبيره لا من قبله تعالى فهو كسائر نعمه تعالى على الانسان التي يصيرها نقما بسوء اختياره.
وذكر الزمخشري فرارا من الاشكال أن في الكلام استعارة، والمعنى أن الانسان لايثاره الجزع والمنع وتمكنهما منه كأنه مجبول مطبوع عليهما، وكأنه أمر مخلوق فيه ضروري غير اختياري فالكلام موضوع على التشبيه لا لإفادة كونه مخلوقا لله حقيقة لان الكلام مسوق للذم والله سبحانه لا يذم فعل نفسه، ومن الدليل عليه استثناء المؤمنين الذين جاهدوا أنفسهم فنجوا عن الجزع والمنع جميعا.
وفيه أن الصفة مخلوقة نعمة وفضيلة والانسان هو الذي يخرجها من الفضيلة إلى الرذيلة ومن النعمة إلى النقمة والذم راجع إلى الصفة من جهة سوء تدبيره لا من حيث إنها فعله تعالى.
واستثناء المؤمنين ليس لأجل أن الصفة غير مخلوقة فيهم بل لأجل أنهم أبقوها على كمالها ولم يبدلوها رذيلة ونقمة.
وأجيب أيضا عن الاستثناء بأنه منقطع وهو كما ترى.
قوله تعالى: " إلا المصلين " استثناء من الانسان الموصوف بالهلع، وفي تقديم الصلاة على سائر الأعمال الصالحة المعدودة في الآيات التالية دلالة على شرفها وأنها خير الأعمال.
على أن لها الأثر البارز في دفع رذيلة الهلع المذموم وقد قال تعالى: " إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر " العنكبوت: 45.
قوله تعالى: " الذين هم على صلاتهم دائمون " في إضافة الصلاة إلى الضمير دلالة على أنهم مداومون على ما يأتون به من الصلاة كائنة ما كانت لا أنهم دائما في الصلاة، وفيه إشارة إلى أن العمل إنما يكمل أثره بالمداومة.
قوله تعالى: " والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم " فسره بعضهم بالزكاة المفروضة، وفي الحديث عن الصادق عليه السلام أن الحق المعلوم ليس من الزكاة وإنما هو مقدار