هم لأماناتهم وعهدهم راعون - 32. والذين هم بشهاداتهم قائمون - 33. والذين هم على صلاتهم يحافظون - 34. أولئك في جنات مكرمون - 35.
(بيان) تشير الآيات إلى السبب الأولي الذي يدعو الانسان إلى رذيلة الادبار والتولي والجمع والايعاء التي تؤديه إلى دخول النار الخالدة التي هي لظى نزاعة للشوى على ما تذكره الآيات.
وذلك السبب صفة الهلع التي اقتضت الحكمة الإلهية أن يخلق الانسان عليها ليهتدي بها إلى ما فيه خيره وسعادته غير أن الانسان يفسدها على نفسه ويسئ استعمالها في سبيل سعادته فتسلك به إلى هلكة دائمة إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم في جنات مكرمون.
قوله تعالى: " إن الانسان خلق هلوعا إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا " الهلوع صفة مشتقة من الهلع بفتحتين وهو شدة الحرص، وذكروا أيضا أن الهلوع تفسره الآيتان بعده فهو الجزوع عند الشر والمنوع عند الخير وهو تفسير سديد والسياق يناسبه.
وذلك أن الحرص الشديد الذي جبل عليه الانسان ليس حرصا منه على كل شئ خيرا كان أو شرا أو نافعا أو ضارا بل حرصا على الخير والنافع ولا حرصا على كل خير أو نافع سواء ارتبط به أو لم يرتبط وكان له أو لغيره بل حرصا منه على ما يراه خيرا لنفسه أو نافعا في سبيل الخير، ولازم هذا الحرص ان يظهر منه التزعزع والاضطراب عند مس الشر وهو خلاف الخير وأن يمتنع عن ترك الخير عند مسه ويؤثر نفسه على غيره إلا أن يرى الترك أكثر خيرا وأنفع بحاله فالجزع عند مس الشر والمنع عند مس الخير من لوازم الهلع وشدة الحرص.
وليس الهلع وشدة الحرص المجبول عليه الانسان - وهو من فروع حب الذات - في حد نفسه من الرذائل المذمومة كيف؟ وهي الوسيلة الوحيدة التي تدعو الانسان إلى بلوغ سعادته وكمال وجوده، وإنما تكون رذيلة مذمومة إذا أساء الانسان في تدبيرها