تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٢٠ - الصفحة ٢٠
من أمرهم حيث يجتمعون على النبي صلى الله عليه وآله وسلم: مهطعين عن اليمين وعن الشمال عزين مقبلين عليه بأبصارهم لا يفارقونه فخاطبه صلى الله عليه وآله وسلم: ما بالهم يحيطون بك مهطعين عليك يلازمونك؟
هل يريد كل امرء منهم أن يدخل جنة نعيم وهو كافر وقد قدر الله سبحانه أن لا يكرم بجنته إلا من استثناه من المؤمنين فهل يريدون أن يسبقوا الله ويعجزوه بنقض ما حكم به وإبطال ما قدره كلا إن الله الذي خلقهم من نطفة مهينة قادر أن يبدلهم خيرا منهم ويخلق مما خلقهم منه، غيرهم ممن يعبده ويدخل جنته.
ثم أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يقطع خصامهم ويذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون.
قوله تعالى: " فما للذين كفروا قبلك مهطعين عن اليمين وعن الشمال عزين " قال في المجمع: قال الزجاج: المهطع المقبل ببصره على الشئ لا يزايله وذلك من نظر العدو، وقال أبو عبيدة الاهطاع الاسراع، وعزين جماعات في تفرقة، واحدتهم عزة. انتهى، وقبل الشئ بالكسر فالفتح الجهة التي تليه والفاء في " فما " فصيحة.
والمعنى: إذا كان الانسان بكفره واستكباره على الحق مصيره إلى النار إلا من استثنى من المؤمنين فما للذين كفروا عندك مقبلين عليك لا يرفعون عنك أبصارهم وهم جماعات متفرقة عن يمينك وشمالك أيطمعون أن يدخلوا الجنة فيعجزوا الله ويسبقوه فيما قضى به أن لا يدخل الجنة إلا الصلحاء من المؤمنين.
قوله تعالى: " أيطمع كل امرء منهم أن يدخل جنه نعيم "، الاستفهام للانكار أي - ما هو الذي يحملهم على أن يحتفوا بك ويهطعوا عليك؟ - هل يحملهم على ذلك طمع كل منهم أن يدخل جنة نعيم وهو كافر فلا مطمع للكافر في دخول الجنة.
ونسب الطمع إلى كل امرء منهم ولم ينسب إلى جماعتهم بأن يقال: أيطمعون أن يدخلوا " الخ " كما نسب الاهطاع إلى جماعتهم فقيل: مهطعين لان النافع من الطمع في السعادة والفلاح هو الطمع القائم بنفس الفرد الباعث له إلى الايمان والعمل الصالح دون القائم بالجماعة بما أنها جماعة فطمع المجموع من حيث أنه مجموع لا يكفي في سعادة كل واحد واحد.
وفي قوله: " أن يدخل " مجهولا من باب الافعال إشارة إلى أن دخولهم في الجنة ليس منوطا باختيارهم ومشيتهم بل لو كان فإنما هو إلى الله سبحانه فهو الذي يدخلهم الجنة
(٢٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 ... » »»
الفهرست