تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٨ - الصفحة ٩٦
والكواكب بعد ما حاجهم فيها فاستندوا فيها إلى سيرة آبائهم على ما ذكر في سور الانعام والأنبياء والشعراء وغيرها.
والمعنى: واذكر لهم إذ تبرا إبراهيم عن آلهة أبيه وقومه إذ كانوا يعبدونها تقليدا لآبائهم من غير حجة وقام بالنظر وحده.
قوله تعالى: (إلا الذي فطرني فإنه سيهدين) أي إلا الذي أوجدني وهو الله سبحانه، وفي توصيفه تعالى بالفطر إشارة إلى الحجة على ربوبيته وألوهيته فإن الفطر والايجاد لا ينفك عن تدبير أمر الموجود المفطور فالذي فطر الكل هو الذي يدبر أمرهم فهو الحقيق أن يعبد.
وقوله: (فإنه سيهدين) أي إلى الحق الذي أطلبه، وقيل: أي إلى طريق الجنة، وفي هذه الجملة إشارة إلى خاصة أخرى ربوبية وهي الهداية إلى السبيل الحق يجب أن يسلكه الانسان فإن السوق إلى الكمال من تمام التدبير فعلى الرب المدبر لأمر مربوبه أن يهديه إلى كماله وسعادته، قال تعالى: (ربنا الذي أعطى كل شئ خلقه ثم هدى) طه: 50، وقال: (وعلى الله قصد السبيل) النحل: 9، فالرجوع إلى الله بتوحيد العبادة يستتبع الهداية كما قال تعالى: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا) العنكبوت: 69.
والاستثناء في قوله: (إلا الذي فطرني) منقطع لان الوثنيين لا يعبدون الله كما مر مرارا، فقول بعضهم: إنه متصل، وأنهم كانوا يقولون: الله ربنا مع عبادتهم الأوثان، كما ترى.
قوله تعالى: (وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون) الظاهر أن ضمير الفاعل المستتر في (جعلها) لله سبحانه، والضمير البارز - على ما قيل - لكلمة البراءة التي تكلم بها إبراهيم عليه السلام ومعناها معنى كلمة التوحيد فإن مفاد (لا إله إلا الله) نفي الالهة غير الله لا نفي الالهة وإثبات الاله تعالى وهو ظاهر فلا حاجة إلى ما تكلف به بعضهم أن الضمير لكلمة التوحيد المعلوم مما تكلم به إبراهيم عليه السلام.
والمراد بعقبه ذريته وولده، وقوله: (لعلهم يرجعون) أي يرجعون من عبادة

(1) وذلك أن (الله) فيها مرفوع على البدلية لا منصوب على الاستثناء.
(٩٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 91 92 93 94 95 96 97 98 99 100 101 ... » »»
الفهرست