ومن الممكن أن يكون قوله: (ورفعنا بعضهم فوق بعض) عطف تفسير على قوله: (نحن قسمنا بينهم معيشتهم) الخ، يبين قسم المعيشة بينهم ببيان علل انقسامها في المجتمع الانساني، بيان ذلك أن كثرة حوائج الانسان في حياته الدنيا بحيث لا يقدر على رفع جميعها في عيش انفرادي أحوجته إلى الاجتماع مع غيره من الافراد على طريق الاستخدام والاستدرار أولا وعلى طريق التعاون والتعاضد ثانيا كما مر في مباحث النبوة من الجزء الثاني من الكتاب.
فال الامر إلى المعاوضة العامة المفيدة لنوع من الاختصاص بأن يعطي كل مما عنده من حوائج الحياة ما يفضل من حاجته ويأخذ به من الغير ما يعادله مما يحتاج إليه فيعطي مثلا ما يفضل من حاجته من الماء الذي عنده وقد حصله واختص به ويأخذ من غيره ما يزيد على قوته من الغذاء، ولازم ذلك أن يسعى كل فرد بما يستعد له ويحسنه من السعي فيقتني مما يحتاج إليه ما يختص به، ولازم ذلك أن يحتاج غيره إليه فيما عنده من متاع الحياة فيتسخر له فيفيده ما يحتاج إليه كالخباز يحتاج إلى ما عند السقاء من الماء وبالعكس فيتعاونان بالمعاوضة وكالمخدوم يتسخر للخادم لخدمته والخادم يتسخر للمخدوم لماله وهكذا فكل بعض من المجتمع مسخر لآخرين بما عنده والآخرون متسخرون له بلا واسطة أو بواسطة أو وسائط لما أن كلا يرتفع على غيره بما يختص به مما عنده بدرجات مختلفة باختلاف تعلق الهمم والقصود به.
وعلى ما تقدم فالمراد بالمعيشة كل ما يعاش به أعم من المال والجاه أو خصوص المال وغيره تبع له كما يؤيده قوله ذيلا: (ورحمة ربك خير مما يجمعون) فإن المراد به المال وغيره من لوازم الحياة مقصود بالتبع.
قوله تعالى: (ولولا أن يكون الناس أمة واحدة - إلى قوله - ومعارج عليها يظهرون) الآية وما يتلوها لبيان أن متاع الدنيا من مال وزينة لا قدر لها عند الله سبحانه ولا منزلة.
قالوا: المراد بكون الناس أمة واحدة كونهم مجتمعين على سنة واحدة هي الكفر بالله لو رأوا أن زينة الدنيا بحذافيرها عند الكافر بالله والمؤمن صفر الكف منها مطلقا، والمعارج الدرجات والمصاعد.
والمعنى: ولولا أن يجتمع الناس على الكفر لو رأوا تنعم الكافرين وحرمان