تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٨ - الصفحة ٩٢
عبادتهم للملائكة فيكون في معنى آية سورة الأنعام وأخص منها.
وقوله: (ما لهم بذلك من علم) أي هو منهم قول مبني على الجهل فإنه مغالطة خلطوا فيها بين الإرادة التكوينية والإرادة التشريعية وأخذ الأولى مكان الثانية، فمقتضى الحجة أن لا إرادة تكوينية منه تعالى متعلقة بعدم عبادتهم الملائكة وانتفاء تعلق هذا النوع من الإرادة بعدم عبادتهم لهم لا يستلزم انتفاء تعلق الإرادة التشريعية به.
فهو سبحانه لما لم يشأ أن لا يعبدوا الشركاء بالإرادة التكوينية كانوا مختارين غير مضطرين على فعل أو ترك فأراد منهم بالإرادة التشريعية أن يوحدوه ولا يعبدوا الشركاء، والإرادة التشريعية لا يستحيل تخلف المراد عنها لكونها اعتبارية غير حقيقية، وإنما تستعمل في الشرائع والقوانين والتكاليف المولوية، والحقيقة التي تبتني عليها هي اشتمال الفعل على مصلحة أو مفسدة.
وبما تقدم يظهر فساد ما قيل: إن حجتهم مبنية على مقدمتين: الأولى أن عبادتهم للملائكة بمشيته تعالى، والثانية أن ذلك مستلزم لكونها مرضية عنده تعالى وقد أصابوا في الأولى وأخطأوا في الثانية حيث جهلوا أن المشية عبارة عن ترجيح بعض الممكنات على بعض كائنا ما كان من غير اعتبار الرضا والسخط في شئ من الطرفين.
وجه الفساد: أن مضمون الحجة عدم تعلق المشية على ترك العبادة وعدم تعلق المشية بالترك لا يستلزم تعلق المشية بالفعل بل لازمه الاذن الذي هو عدم المنع من الفعل. ثم إن ظاهر كلامه قصر الإرادة في التكوينية وإهمال التشريعية التي عليها المدار في التكاليف المولوية وهو خطأ منه.
ويظهر أيضا فساد ما نسب إلى بعضهم أن المراد بقولهم: (لو شاء الرحمان ما عبدناهم) الاعتذار عن عبادة الملائكة بتعلق مشية الله بها مع الاعتراف بكونها قبيحة.
وذلك أنهم لم يكونوا مسلمين لقبح عبادة آلهتهم حتى يعتذروا عنها وقد حكي عنهم ذيلا قولهم: (إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون).
وقوله: (إن هم إلا يخرصون) الخرص - على ما يظهر من الراغب - القول على الظن والتخمين، وفسر أيضا بالكذب.
قوله تعالى: (أم آتيناهم كتابا من قبله فهم به مستمسكون) ضمير (من قبله)
(٩٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 87 88 89 90 91 92 93 94 95 96 97 ... » »»
الفهرست