تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٨ - الصفحة ٨٧
قوله تعالى: (والذي نزل من السماء ماء بقدر فأنشرنا به بلدة ميتا كذلك تخرجون) قيد تنزيل الماء بقدر للإشارة إلى أنه عن إرادة وتدبير لا كيف اتفق والانشار الاحياء، والميت مخفف الميت بالتشديد، وتوصيف البلدة به باعتبار أنها مكان لان البلدة أيضا انما تتصف بالموت والحياة باعتبار أنها مكان، والالتفات عن الغيبة إلى التكلم مع الغير في (أنشرنا) لاظهار العناية.
ولما استدل بتنزيل الماء بقدر واحياء البلدة الميتة على خلقه وتدبيره استنتج منه أمر آخر لا يتم التوحيد الا به وهو المعاد الذي هو رجوع الكل إليه تعالى فقال:
(كذلك تخرجون) أي كما أحيا البلدة الميتة كذلك تبعثون من قبوركم أحياء.
قيل: في التعبير عن اخراج النبات بالانشار الذي هو احياء الموتى وعن احيائهم بالاخراج تفخيم لشأن الانبات وتهوين لأمر البعث لتقويم سنن الاستدلال و توضيح منهاج القياس.
قوله تعالى: (والذي خلق الأزواج كلها وجعل لكم من الفلك والانعام ما تركبون) قيل: المراد بالأزواج أصناف الموجودات من ذكر و أنثى وأبيض وأسود وغيرها، وقيل: المراد الزوج من كل شئ فكل ما سوى الله كالفوق وتحت واليمين واليسار والذكر والأنثى زوج.
وقوله: (وجعل لكم من الفلك والانعام ما تركبون) أي تركبونه، والركوب إذا نسب إلى الحيوان كالفرس والإبل تعدى بنفسه فيقال: ركبت الفرس وإذا نسب إلى مثل الفلك والسفينة تعدى بفي فيقال ركب فيه قال تعالى: (وإذا ركبوا في الفلك) ففي قوله: (ما تركبون) أي تركبونه تغليب لجانب الانعام.
قوله تعالى: (لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه وتقولوا - إلى قوله - لمنقلبون) الاستواء على الظهور الاستقرار عليها، والضمير في (ظهوره) راجع إلى لفظ الموصول في (ما تركبون)، والضمير في قوله: (إذا استويتم عليه) للموصول أيضا فكما يقال: استويت على ظهر الدابة يقال: استويت على الدابة.
والمراد بذكر نعمة الرب سبحانه بعد الاستواء على ظهر الفلك والانعام ذكر النعم التي ينتفع بها الانسان بتسخيره تعالى له هذه المراكب كالانتقال من مكان إلى
(٨٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 82 83 84 85 86 87 88 89 90 91 92 ... » »»
الفهرست