(فالحاملات وقرا) بالفاء المفيدة للتأخير والترتيب معطوف على الذاريات وإقسام بالسحب الحاملة لثقل الماء، وقوله: (فالجاريات يسرا) عطف عليه وإقسام بالسفن الجارية في البحار بيسر وسهولة.
وقوله: (فالمقسمات أمرا) عطف على ما سبقه وإقسام بالملائكة الذين يعملون بأمره فيقسمونه باختلاف مقاماتهم فإن أمر ذي العرش بالخلق والتدبير واحد فإذا حمله طائفة من الملائكة على اختلاف أعمالهم انشعب الامر وتقسم بتقسمهم ثم إذا حمله طائفة هي دون الطائفة الأولى تقسم ثانيا بتقسمهم وهكذا حتى ينتهي إلى الملائكة المباشرين للحوادث الكونية الجزئية فينقسم بانقسامها ويتكثر بتكثرها.
والآيات الأربع - كما ترى - تشير إلى عامة التدبير حيث ذكرت أنموذجا مما يدبر به الامر في البر وهو الذاريات ذروا، وأنموذجا مما يدبر به الامر في البحر وهو الجاريات يسرا وأنموذجا مما يدبر به الامر في الجو وهو الحاملات وقرا، وتمم الجميع بالملائكة الذين هم وسائد التدبير وهم المقسمات أمرا.
فالآيات في معنى أن يقال: أقسم بعامة الأسباب التي يتمم بها أمر التدبير في العالم إن كذا كذا، وقد ورد من طرق الخاصة والعامة عن علي عليه أفضل السلام تفسير الآيات الأربع بما تقدم.
وعن الفخر الرازي في التفسير الكبير أن الأقرب حمل الآيات الأربع جميعا على الرياح فإنها كما تذروا التراب ذروا تحمل السحب الثقال وتجري في الجو بيسر وتقسم السحب على الأقطار من الأرض.
والحق أن ما استقر به بعيد، وما تقدم من المعنى أبلغ مما ذكره.
قوله تعالى: (إن ما توعدون لصادق وإن الدين لواقع) (ما) موصولة، والضمير العائد إليها محذوف أي الذين توعدونه، أو مصدرية، و (توعدون) من الوعد كما يؤيده قوله: (وإن الدين لواقع) الشامل لمطلق الجزاء، وقيل: من الايعاد كما يؤيده قوله: (فذكر بالقرآن من يخاف وعيد) ق: 45.
وعد الوعد صادقا من المجاز في النسبة كما في قوله: (في عيشة راضية) الحاقة:
21 أو الصادق بمعنى ذو صدق كما قيل بمثله في قوله: (في عيشة راضية) والدين الجزاء.