تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٨ - الصفحة ٣١٣
فقوله: (واعلموا أن فيكم رسول الله) عطف على قوله في الآية السابقة:
(فتبينوا) وتقديم الخبر للدلالة على الحصر، والإشارة إلى ما هو لازمه فإن اختصاصهم بكون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيهم لازمه أن يتعلقوا بالرشد ويتجنبوا الغي ويرجعوا الأمور إليه ويطيعوه ويتبعوا أثره ولا يتعلقوا بما تستدعيه منهم أهواؤهم.
فالمعنى: ولا تنسوا أن فيكم رسول الله، وهو كناية عن أنه يجب عليهم أن يرجعوا الأمور ويسيروا فيما يواجهونه من الحوادث على ما يراه ويأمر به من غير أن يتبعوا أهواء أنفسهم.
وقوله: (لو يطيعكم في كثير من الامر لعنتم) أي جهدتم وهلكتم، والجملة كالجواب لسؤال مقدر كان سائلا يسأل فيقول: لماذا نرجع إليه ولا يرجع إلينا ولا يوافقنا؟ فأجيب بأنه (لو يطيعكم في كثير من الامر لعنتم).
وقوله: (ولكن الله حبب إليكم الايمان وزينه في قلوبكم) استدراك عما يدل عليه الجملة السابقة: (لو يطيعكم في كثير من الامر لعنتم) من أنهم مشرفون بالطبع على الهلاك والغي فاستدرك أن الله سبحانه أصلح ذلك بما أنعم عليهم من تحبيب الايمان وتكريه الكفر والفسوق والعصيان.
والمراد بتحبيب الايمان إليهم جعله محبوبا عندهم وبتزيينه في قلوبهم تحليته بجمال يجذب قلوبهم إلى نفسه فيتعلقون به ويعرضون عما يلهيهم عنه.
وقوله: (وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان) عطف على (حبب) وتكريه الكفر وما يتبعه إليهم جعلها مكروهة عندهم تتنفر عنها نفوسهم، والفرق بين الفسوق والعصيان - على ما قيل - أن الفسوق هو الخروج عن الطاعة إلى المعصية، والعصيان نفس المعصية وإن شئت فقل: جميع المعاصي، وقيل: المراد بالفسوق الكذب بقرينة الآية السابقة والعصيان سائر المعاصي.
وقوله: (أولئك هم الراشدون) بيان أن حب الايمان والانجذاب إليه وكراهة الكفر والفسوق والعصيان هو سبب الرشد الذي يطلبه الانسان بفطرته ويتنفر عن الغي الذي يقابله فعلى المؤمنين أن يلزموا الايمان ويتجنبوا الكفر والفسوق والعصيان حتى يرشدوا ويتبعوا الرسول ولا يتبعوا أهواءهم.
(٣١٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 308 309 310 311 312 313 314 315 316 317 318 ... » »»
الفهرست