تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٨ - الصفحة ٣٠٢
كلامهم، والاستشهاد لذلك بقوله تعالى: (لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم) مبني على إرجاع ضمير (تزيلوا) إلى المؤمنين وضمير (منهم) للذين كفروا، وقد تقدم في تفسير الآية أن الضميرين جميعا راجعان إلى مجموع المؤمنين والكافرين من أهل مكة فتكون (من) تبعيضية لا بيانية.
وبعد ذلك كله لو كانت العدة بالمغفرة أو نفس المغفرة شملتهم شمولا مطلقا من غير اشتراط بالايمان والعمل الصالح وكانوا مغفورين - آمنوا أو أشركوا وأصلحوا أو فسقوا - لزمته لزوما بينا لغوية جميع التكاليف الدينية في حقهم وارتفاعها عنهم وهذا مما يدفعه الكتاب والسنة فهذا الاشتراط ثابت في نفسه وإن لم يتعرض له في اللفظ، وقد قال تعالى في أنبيائه: (ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون) الانعام: 88، فأثبته في أنبيائه وهم معصومون فكيف فيمن هو دونهم.
فان قيل: اشتراط الوعد بالمغفرة والاجر العظيم بالايمان والعمل الصالح اشتراط عقلي كما ذكر ولا سبيل إلى إنكاره لكن سياق قوله: (وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم) يشهد باتصافهم بالايمان وعمل الصالحات وأنهم واجدون للشرط.
وخاصة بالنظر إلى تأخير (منهم) عن قوله: (الذين آمنوا وعملوا الصالحات) حيث يدل على أن عمل الصالحات لا ينفك عنهم بخلاف قوله في آية النور: (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم) النور: 55، كما ذكره بعضهم، ويؤيده أيضا قوله في مدحهم (تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا) حيث يدل على الاستمرار.
قلنا: أما تأخير (منهم) في الآية فليس للدلالة على كون العمل الصالح لا ينفك عنهم بل لان موضوع الحكم هو مجموع (الذين آمنوا وعملوا الصالحات) ولا يترتب على مجرد الايمان من دون العمل الصالح أثر المغفرة والاجر ثم قوله: (منهم) متعلق بمجموع الموضوع فمن حقه أن يذكر بعد تمام الموضوع وهو (الذين آمنوا وعملوا الصالحات)، وأما تقدم الضمير في قوله: (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم) فلانه مسوق سوق البشرى للمؤمنين والأنسب لها التسريع في خطاب من بشر بها لينشط بذلك وينبسط لتلقي البشرى.
(٣٠٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 297 298 299 300 301 302 303 304 305 306 307 ... » »»
الفهرست