تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٨ - الصفحة ٣١٠
فقوله: (وأنتم لا تشعرون) ناظر إلى حالم قبل النهي حيث كانوا يشعرون بكون الفعل سيئة لكنهم ما كانوا يعلمون بعظمة مساءته لهذا الحد، وأما بعد صدور البيان الإلهي فهم شاعرون بالاحباط.
فالآية من وجه نظيرة قوله تعالى في آيات الإفك: (وتحسبونه هينا وهو عند فالآية من وجه نظيرة قوله تعالى في آيات الإفك: (وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم) النور: 15، وقوله في آيات القيامة: (وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون) الزمر: 47.
قوله تعالى: (إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى) الخ، غض الصوت خلاف رفعه، ومعنى الامتحان الابتلاء والاختبار وإنما يكون لتحصيل العلم بحال الشئ المجهول قبل ذلك، وإذ يستحيل ذلك في حقه تعالى فالمراد به هنا التمرين والتعويد - كما قيل - أو حمل المحنة والمشقة على القلب ليعتاد بالتقوى.
والآية مسوقة للوعد الجميل على غض الصوت عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد توصيفهم بأن قلوبهم ممتحنة للتقوى والذي امتحنهم لذلك هو الله سبحانه، وفيه تأكيد وتقوية لمضمون الآية السابقة وتشويق للانتهاء بما فيها من النهي.
وفي التعبير عنه صلى الله عليه وآله وسلم في هذه الآية برسول الله بعد التعبير عنه في الآية السابقة بالنبي إشارة إلى ملاك الحكم فإن الرسول بما هو رسول ليس له من الامر شئ فما له فلمرسله، وتعظيمه وتوقيره تعظيم لمرسله وتوقير له فغض الصوت عند رسول الله تعظيم وتكبير لله سبحانه، والمداومة والاستمرار على ذلك - كما يستفاد من قوله: (يغضون) المفيد للاستمرار - كاشف عن تخلقهم بالتقوى وامتحانه تعالى قلوبهم للتقوى.
وقوله: (لهم مغفرة وأجر عظيم) وعد جميل لهم بإزاء ما في قلوبهم من تقوى الله، والعاقبة للتقوى.
قوله تعالى: (إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون) سياق الآية يؤدي أنه واقع وأنهم كانوا قوما من الجفاة ينادونه صلى الله عليه وآله وسلم من وراء حجرات بيته من غير رعاية لمقتضى الأدب وواجب التعظيم والتوقير فذمهم الله سبحانه حيث وصف أثرهم بأنهم لا يعقلون كالبهائم من الحيوان.
(٣١٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 305 306 307 308 309 310 311 312 313 314 315 ... » »»
الفهرست