تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٨ - الصفحة ٣١٤
ولما كان حب الايمان والانجذاب إليه وكراهة الكفر ونحوه صفة بعض من كان الرسول فيهم دون الجميع كما يصرح به الآية السابقة، وقد وصف بذلك جماعتهم تحفظا على وحدتهم وتشويقا لمن لم يتصف بذلك منهم غير السياق والتفت عن خطابهم إلى خطاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: (أولئك هم الراشدون) والإشارة إلى من اتصف بحب الايمان وكراهة الكفر والفسوق والعصيان، ليكون مدحا للمتصفين بذلك وتشويقا لغيرهم.
واعلم أن في قوله: (واعلموا أن فيكم رسول الله لو يطيعكم في كثير من الامر لعنتم) إشعارا بأن قوما من المؤمنين كانوا مصرين على قبول نبأ الفاسق الذي تشير إليه الآية السابقة، وهو الوليد بن عقبة أرسله النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى بني المصطلق لاخذ زكواتهم فجاء إليهم فلما رآهم هابهم ورجع إلى المدينة وأخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنهم ارتدوا فعزم النبي صلى الله عليه وآله وسلم على قتالهم فنزلت الآية فانصرف وفي القوم بعض من يصر على أن يغزوهم.
وسيجئ القصة في البحث الروائي التالي.
قوله تعالى: (فضلا من الله ونعمة والله عليم حكيم) تعليل لما تقدم من فعله تعالى بالمؤمنين من تحبيب الايمان وتزيينه وتكريه الكفر والفسوق والعصيان أي إن ذلك منه تعالى مجرد عطية ونعمة لا إلى بدل يصل إليه منهم لكن ليس فعلا جزافيا فإنه تعالى عليهم بمورد عطيته ونعمته حكيم لا يفعل ما يفعل جزافا كما قال: (وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها وكان الله بكل شئ عليما) الفتح: 26.
قوله تعالى: (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما) إلى آخر الآية الاقتتال والتقاتل بمعنى واحد كالاستباق والتسابق، ورجوع ضمير الجمع في (اقتتلوا) إلى الطائفتين باعتبار المعنى فإن كلا من الطائفتين جماعة ومجموعهما جماعة كما أن رجوع ضمير التثنية إليهما باعتبار المعنى.
ونقل عن بعضهم في وجه التفرقة بين الضميرين: أنهم أولا في حال القتال مختلطون فلذا جمع أولا ضميرهم، وفي حال الصلح متميزون متفارقون فلذا ثنى الضمير.
وقوله: (فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيئ إلى أمر الله) البغي الظلم والتعدي بغير حق، والفيئ الرجوع، والمراد بأمر الله ما أمر به
(٣١٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 309 310 311 312 313 314 315 316 317 318 319 ... » »»
الفهرست