تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٨ - الصفحة ٢٩١
ومن هنا يظهر أن المراد بالفتح القريب في هذه الآية فتح الحديبية فهو الذي سوى للمؤمنين الطريق لدخول المسجد الحرام آمنين ويسر لهم ذلك ولولا ذلك لم يمكن لهم الدخول فيه إلا بالقتال وسفك الدماء ولا عمرة مع ذلك لكن صلح الحديبية وما اشترط من شرط أمكنهم من دخول المسجد معتمرين في العام القابل.
ومن هنا تعرف أن قول بعضهم: إن المراد بالفتح القريب في الآية فتح خيبر بعيد من السياق، وأما القول بأنه فتح مكة فأبعد.
وسياق الآية يعطي أن المراد بها إزالة الريب عن بعض من كان مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فإن المؤمنين كانوا يزعمون من رؤيا رآها النبي صلى الله عليه وآله وسلم من دخولهم المسجد آمنين محلقين رؤوسهم ومقصرين، أنهم سيدخلونه كذلك في عامهم ذلك فلما خرجوا قاصدين مكة معتمرين فاعترضهم المشركون بالحديبية وصدوهم عن المسجد الحرام ارتاب بعضهم في الرؤيا فأزال الله ريبهم بما في الآية.
ومحصله: أن الرؤيا حقة أراها الله نبيه صلى الله عليه وآله وسلم وقد صدق تعالى في ذلك، وستدخلون المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رؤوسكم ومقصرين لا تخافون، لكنه تعالى أخره وقدم عليه هذا الفتح وهو صلح الحديبية ليتيسر لكم دخوله لعلمه تعالى بأنه لا يمكن لكم دخوله آمنين محلقين رؤوسكم ومقصرين لا تخافون إلا بهذا الطريق.
قوله تعالى: (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله) الخ، تقدم تفسيره في سورة التوبة الآية 33، وقوله: (وكفى بالله شهيدا) أي شاهدا على صدق نبوته والوعد أن دينه سيظهر على الدين كله أو على أن رؤياه صادقة، فالجملة تذييل ناظر إلى نفس الآية أو الآية السابقة.
(بحث روائي) في الدر المنثور في قوله تعالى: (لقد رضي الله عن المؤمنين) الآية، أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن سلمة بن الأكوع قال: بينا نحن قائلون إذ نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أيها الناس البيعة البيعة نزل روح القدس، فثرنا إلى رسول
(٢٩١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 286 287 288 289 290 291 292 293 294 295 296 ... » »»
الفهرست