تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٨ - الصفحة ٣٠١
وقوله: (وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما) ضمير (منهم) للذين معه، و (من) للتبعيض على ما هو الظاهر المتبادر من مثل هذا النظم ويفيد الكلام اشتراط المغفرة والاجر العظيم بالايمان حدوثا وبقاء وعمل الصالحات فلو كان منهم من لم يؤمن أصلا كالمنافقين الذين لم يعرفوا بالنفاق كما يشير إليه قوله تعالى:
(ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم) التوبة: 101، أو آمن أولا ثم أشرك وكفر كما في قوله: (إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى - إلى أن قال - ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم) سورة محمد: 30.
أو آمن ولم يعمل الصالحات كما يستفاد من آيات الإفك (1) وآية التبين في نبأ الفاسق وأمثال ذلك لم يشمله وعد المغفرة والاجر العظيم.
ونظير هذا الاشتراط ما تقدم في قوله تعالى: (إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما)، ويؤيده أيضا ما فهمه ابن عباس من قوله تعالى: (فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم) حيث فسره بقوله: إنما أنزلت السكينة على من علم منه الوفاء، وقد تقدمت الرواية.
ونظير الآية أيضا في الاشتراط قوله تعالى: (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض - إلى أن قال - ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون) النور: 55.
وقيل: إن (من) في الآية بيانية لا تبعيضية فتفيد شمول الوعد لجميع الذين معه.
وهو مدفوع - كما قيل - بأن (من) البيانية لا تدخل على الضمير مطلقا في

(1) فمن أهل الإفك من هو صاحبي بدري وقد قال تعالى: (إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم) الثورة 23، ومن نزل فيه: (إن جاءكم فاسق بنبأ فبينوا) الحجرات: 6، وهو الوليد بن عقبة صحابي وقد سماه الله فاسقا وقد قال تعالى: (فان الله لا يرضى عن القوم الفاسقين) التوبة: 96.
(٣٠١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 296 297 298 299 300 301 302 303 304 305 306 ... » »»
الفهرست