تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٨ - الصفحة ٢٨٨
بعد أن أظفركم عليهم) الخ، الظاهر أن المراد بكف أيدي كل من الطائفتين عن الأخرى ما وقع من الصلح بين الفئتين بالحديبية وهي بطن مكة لقربها منها واتصالها بها حتى قيل إن بعض أراضيها من الحرم وذلك أن كلا من الفئتين كانت أعدى عدو للأخرى وقد اهتمت قريش بجمع المجموع من أنفسهم ومن الأحابيش، وبايع المؤمنون النبي صلى الله عليه وآله وسلم على أن يقاتلوا، وعزم النبي صلى الله عليه وآله وسلم على أن يناجز القوم، وقد أظفر الله النبي والذين آمنوا على الكفار حيث دخلوا أرضهم وركزوا أقدامهم في عقر دارهم فلم يكن ليتوهم بينهم إلا القتال لكن الله سبحانه كف أيدي الكفار عن المؤمنين وأيدي المؤمنين عن الكفار بعد إظفار المؤمنين عليهم وكان الله بما يعملون بصيرا.
قوله تعالى: (هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام والهدى معكوفا أن يبلغ محله) العكوف على أمر هو الإقامة عليه، والمعكوف - كما في المجمع - الممنوع من الذهاب إلى جهة بالإقامة في مكانه، ومنه الاعتكاف وهو الإقامة في المسجد للعبادة.
والمعنى: المشركون مشركوا مكة هم الذين كفروا ومنعوكم عن المسجد الحرام ومنعوا الهدي - الذي سقتموه - حال كونه محبوسا من أن يبلغ محله أي الموضع الذي ينحر أو يذبح فيه وهو مكة التي ينحر أو يذبح فيها هدي العمرة كما أن هدي الحج ينحر أو يذبح في منى، وقد كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومن معه من المؤمنين محرمين للعمرة ساقوا هديا لذلك.
قوله تعالى: (ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطؤهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم) الوطء الدوس، والمعرة المكروه، وقوله: (أن تطؤهم) بدل اشتمال من مدخول لولا، وجواب لولا محذوف، والتقدير: ما كف أيديكم عنهم.
والمعنى: ولولا أن تدوسوا رجالا مؤمنين ونساء مؤمنات بمكة وأنتم جاهلون بهم لا تعلمون فتصيبكم من قتلهم وإهلاكهم مكروه لما كف الله أيديكم عنهم.
وقوله: (ليدخل الله في رحمته من يشاء) اللام متعلق بمحذوف، والتقدير:
ولكن كف أيديكم عنهم ليدخل في رحمته أولئك المؤمنين والمؤمنات غير المتميزين بسلامتهم من القتل وإياكم بحفظكم من إصابة المعرة.
(٢٨٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 283 284 285 286 287 288 289 290 291 292 293 ... » »»
الفهرست