وقوله: (قل إن افتريته فلا تملكون لي من الله شيئا) أي إن افتريت القران لأجلكم آخذني بالعذاب أو عاجلني بالعذاب على الافتراء ولستم تقدرون على دفع عذابه عني فكيف أفتريه عليه لأجلكم، والمحصل أني على يقين من أمر الله وأعلم أنه يأخذ المفترى عليه أو يعاجل في عقوبته وأنكم لا تقدرون على دفع ما يريده فكيف أفتري عليه فأعرض نفسي على عذابه المقطوع لأجلكم؟ أي لست بمفتر عليه.
ويتبين بذلك أن جزاء الشرط في قوله: (إن افتريته فلا تملكون لي) الخ، محذوف وقد أقيم مقامه ما يجري مجرى ارتفاع المانع، والتقدير: إن افتريته آخذني بالعذاب أو عاجلني بالعذاب ولا مانع من قبلكم يمنع عنه، وليس من قبيل وضع المسبب موضع السبب كما قيل.
وقوله: (هو أعلم بما تفيضون فيه) الإفاضة في الحديث الخوض فيه و (ما) موصولة يرجع إليه ضمير (فيه) أو مصدرية ومرجع الضمير هو القرآن، والمعنى:
الله سبحانه أعلم بالذي تخوضون فيه من التكذيب برمي القرآن بالسحر والافتراء على الله أو المعنى: هو أعلم بخوضكم في القرآن.
وقوله: (كفى به شهيدا بيني وبينكم) احتجاج ثان على نفي الافتراء وأول الاحتجاجين قوله: (إن افتريته فلا تملكون لي من الله شيئا) وقد تقدم بيانه آنفا، ومعنى الجملة: أن شهادة الله سبحانه في كلامه بأنه كلامه وليس افتراء مني يكفي في نفي كوني مفتريا به عليه، وقد صدق سبحانه هذه الدعوى بقوله: (لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه) النساء: 166، وما في معناه من الآيات، وأما أنه كلامه فيكفي في ثبوته آيات التحدي.
وقوله: (وهو الغفور الرحيم) تذييل الآية بالاسمين الكريمين للاحتجاج على نفي ما يتضمنه تحكمهم الباطل من نفي الرسالة كأنه قيل: إن قولكم: (افتراه) يتضمن دعويين: دعوى عدم كون هذا القرآن من كلام الله ودعوى بطلان الرسالة - والوثنيون ينفونها مطلقا - أما الدعوى الأولى فيدفعه أولا: أنه إن افتريته فلا تملكون، الخ، وثانيا: أن الله يكفيني شهيدا على كونه كلامه لا كلامي.
وأما الدعوى الثانية فيدفعها أن الله سبحانه غفور رحيم، ومن الواجب في حكمته أن يعامل خلقه بالمغفرة والرحمة ولا تشملان إلا التائبين الراجعين إليه الصالحين