ثم يذكر إنكارهم لثاني الوعيدين وهو الرجوع إلى الله في يوم الفصل فيقيم الحجة على أنه آت لا محالة ثم يذكر طرفا من أخباره وما سيجري فيه على المجرمين ويصيبهم من ألوان عذابه، وما سيثاب به المتقون من حياة طيبة ومقام كريم.
والسورة مكية بشهادة سياق آياتها.
قوله تعالى: (حم والكتاب المبين) الواو للقسم والمراد بالكتاب المبين القرآن.
قوله تعالى: (إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين) المراد بالليلة المباركة التي نزل فيها القرآن ليلة القدر على ما يدل عليه قوله تعالى: (إنا أنزلناه في ليلة القدر) القدر: 1، وكونها مباركة ظرفيتها للخير الكثير الذي ينبسط على الخلق من الرحمة الواسعة، وقد قال تعالى: (وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر) القدر: 3.
وظاهر اللفظ أنها إحدى الليالي التي تدور على الأرض وظاهر قوله: (فيها يفرق) الدال على الاستمرار أنها تتكرر وظاهر قوله تعالى: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن) البقرة: 185 أنها تتكرر بتكرر شهر رمضان فهي تتكرر بتكرر السنين القمرية وتقع في كل سنة قمرية مرة واحدة في شهر رمضان، وأما أنها أي ليلة هي؟ فلا إشعار في كلامه تعالى بذلك، وأما الروايات فستوافيك في البحث الروائي التالي.
والمراد بنزول الكتاب في ليلة مباركة على ما هو ظاهر قوله: (إنا أنزلناه في ليلة مباركة) وقوله: (إنا أنزلناه في ليلة القدر) القدر: 1، وقوله: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان) البقرة: 185، أن النازل هو القرآن كله.
ولا يدفع ذلك قوله: (وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا) أسرى: 106، وقوله: (وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا) الفرقان: 32، الظاهرين في نزوله تدريجا، ويؤيد ذلك آيات اخر كقوله: (فإذا أنزلت سورة محكمة) سورة محمد: 20، وقوله:
(وإذا ما أنزلت سورة نظر بعضهم إلى بعض) التوبة: 127 وغير ذلك ويؤيد ذلك أيضا ما لا يحصى من الاخبار المتضمنة لأسباب النزول.
وذلك أنه يمكن أن يحمل على نزول القرآن مرتين مرة مجموعا وجملة في ليلة