تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٨ - الصفحة ١٣٢
فإنما هو إنذار والانذار سنة جارية له تعالى لم تزل تجري في السابقين من طريق الوحي إلى الأنبياء والرسل وبعثهم لانذار الناس.
قوله تعالى: (فيها يفرق كل أمر حكيم) ضمير (فيها) لليلة والفرق فصل الشئ من الشئ بحيث يتمايزان ويقابله الاحكام فالامر الحكيم ما لا يتميز بعض أجزائه من بعض ولا يتعين خصوصياته وأحواله كما يشير إلى ذلك قوله تعالى: (وإن من شئ إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم) الحجر: 21.
فللأمور بحسب القضاء الإلهي مرحلتان: مرحلة الاجمال و الابهام ومرحلة التفصيل، وليلة القدر - على ما يدل عليه قوله: (فيها يفرق كل أمر حكيم - ليلة يخرج فيها الأمور من مرحلة الاحكام إلى مرحلة الفرق والتفصيل، وقد نزل فيها القرآن وهو أمر من الأمور المحكمة فرق في ليلة القدر.
ولعل الله سبحانه أطلع نبيه على جزئيات الحوادث التي ستقع في زمان دعوته وما يقارن منها نزول كل آية أو آيات أو سورة من كتابه فيستدعي نزولها وأطلعه على ما ينزل منها فيكون القرآن نازلا عليه دفعة وجملة ه قبل نزوله تدريجا ومفرقا.
ومال هذا الوجه اطلاع النبي صلى الله عليه وآله وسلم على القرآن في مرحلة نزوله إلى القضاء التفصيلي قبل نزوله على الأرض واستقراره في مرحلة العين، وعلى هذا الوجه لا حاجة إلى تفريق المرتين بالاجمال والتفصيل كما تقدم في الوجه الأول.
وظاهر كلام بعضهم أن المراد بقوله: (فيها يفرق كل أمر حكيم) تفصيل الأمور المبينة في القرآن من معارف وأحكام وغير ذلك. ويدفعه أن ظاهر قوله:
(فيها يفرق) الاستمرار والذي يستمر في هذه الليلة بتكررها تفصيل الأمور الكونية بعد إحكامها وأما المعارف والاحكام الإلهية فلا استمرار في تفصيلها فلو كان المراد فرقها كان الأنسب أن يقال: (فيها فرق).
وقيل: المراد بكون الامر حكيما إحكامه بعد الفرق لا الاحكام الذي قبل التفصيل، والمعنى: يقضى في الليلة كل أمر محكم لا يتغير بزيادة أو نقصان أو غير ذلك هذا، والأظهر ما قدمناه من المعنى.
قوله تعالى: (أمرا من عندنا إنا كنا مرسلين) المراد بالامر الشأن وهو حال من الامر السابق والمعنى فيها يفرق كل أمر حال كونه أمرا من عندنا ومبتدأ من
(١٣٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 127 128 129 130 131 132 133 134 135 136 137 ... » »»
الفهرست