تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٨ - الصفحة ١٣١
واحدة من ليالي شهر رمضان، ومرة تدريجا ونجوما في مدة ثلاث وعشرين سنة وهي مدة دعوته صلى الله عليه وآله وسلم.
لكن الذي لا ينبغي الارتياب فيه أن هذا القرآن المؤلف من السور والآيات بما فيه من السياقات المختلفة المنطبقة على موارد النزول المختلفة الشخصية لا يقبل النزول دفعة فإن الآيات النازلة في وقائع شخصية وحوادث جزئية مرتبطة بأزمنة وأمكنة وأشخاص وأحوال خاصة لا تصدق إلا مع تحقق مواردها المتفرقة زمانا ومكانا وغير ذلك بحيث لو اجتمعت زمانا ومكانا وغير ذلك انقلبت عن تلك الموارد وصارت غيرها فلا يمكن احتمال نزول القرآن وهو على هيئته وحاله بعينها مرة جملة ومرة نجوما.
فلو قيل بنزوله مرتين كان من الواجب أن يفرق بين المرتين بالاجمال والتفصيل فيكون نازلا مرة إجمالا ومرة تفصيلا ونعني بهذا الاجمال والتفصيل ما يشير إليه قوله تعالى: (كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير) هود: 1، وقوله:
(إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم) الزخرف: 4، وقد مر الكلام في معنى الاحكام والتفصيل في تفسير سورتي هود والزخرف.
وقيل: المراد بنزول الكتاب في ليلة مباركة افتتاح نزوله التدريجي في ليلة القدر من شهر رمضان فأول ما نزل من آيات القرآن - وهو سورة العلق أو سورة الحمد - نزل في ليلة القدر.
وهذا القول مبني على استشعار منافاة نزول الكتاب كله في ليلة ونزوله التدريجي الذي تدل عليه الآيات السابقة وقد عرفت أن لا منافاة بين الآيات.
على أنك خبير بأنه خلاف ظاهر الآيات.
وقيل: إنه نزل أولا جملة على السماء الدنيا في ليلة القدر ثم نزل من السماء الدنيا على الأرض تدريجا في ثلاث وعشرين سنة مدة الدعوة النبوية.
وهذا القول مأخوذ من الأخبار الواردة في تفسير الآيات الظاهرة في نزوله جملة وستمر بك في البحث الروائي التالي إن شاء الله.
وقوله: (إنا كنا منذرين) واقع موقع التعليل، وهو يدل على استمرار الانذار منه تعالى قبل هذا الانذار، فيدل على أن نزول القرآن من عنده تعالى ليس ببدع،
(١٣١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 126 127 128 129 130 131 132 133 134 135 136 ... » »»
الفهرست