وقوله في صدر الآية: (أم أنا خير) الخ، أم فيه إما منقطعة لتقرير كلامه السابق والمعنى: بل أنا خير من موسى لأنه كذا وكذا، وإما متصلة، وأحد طرفي الترديد محذوف مع همزة الاستفهام، والتقدير: أهذا خير أم أنا خير الخ، وفي المجمع قال سيبويه والخليل: عطف أنا بأم على (أفلا تبصرون) لان معنى (أنا خير) معنى أم تبصرون فكأنه قال: أفلا تبصرون أم تبصرون لأنهم إذا قالوا له: أنت خير منه فقد صاروا بصراء عنده انتهى. أي إن وضع (أم أنا خير) موضع أم تبصرون من وضع المسبب موضع السبب أو بالعكس.
وكيف كان فالإشارة إلى موسى بهذا من دون أن يذكر باسمه للتحقير وتوصيفه بقوله: (الذي هو مهين ولا يكاد يبين) للتحقير وللدلالة على عدم خيريته.
قوله تعالى: (فلو لا القي عليه أسورة من ذهب أو جاء معه الملائكة مقترنين) الأسورة جمع سوار بالكسر، وقال الراغب: هو معرب دستواره قالوا: كان من دأبهم أنهم إذا سودوا رجلا سوروه بسوار من ذهب وطوقوه بطوق من ذهب فالمعنى لو كان رسولا وساد الناس بذلك لألقي إليه أسورة من ذهب.
وقوله: (أو جاء معه الملائكة مقترنين) الظاهر أن الاقتران بمعنى التقارن كالاستباق والاستواء بمعنى التسابق والتساوي، والمراد إتيان الملائكة معه متقارنين لتصديق رسالته، وهذه الكلمة مما تكررت على لسان مكذبي الرسل كقولهم: (لولا انزل إليه ملك فيكون معه نذيرا) الفرقان: 7.
قوله تعالى: (فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين) أي استخف عقول قومه وأحلامهم، والباقي ظاهر.
قوله تعالى: (فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين) الايساف الاغضاب أي فلما أغضبونا بفسوقهم انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين، والغضب منه تعالى إرادة العقوبة.
قوله تعالى: (فجعلناهم سلفا ومثلا للآخرين) السلف المتقدم والظاهر أن المراد بكونهم سلفا للآخرين تقدمهم عليهم في دخول النار، والمثل الكلام السائر الذي يتمثل به ويعتبر به، والظاهر أن كونهم مثلا لهم كونهم مما يعتبر به الآخرون لو اعتبروا واتعظوا.