مراتب خلقه ولعلها السماوات التي وصفها في كلامه بأنها مساكن ملائكته وأن أمره يتنزل بينهن وهي التي تحجب عرشه عن الناس.
ثم إن له يوما هو يوم التلاقي يرفع فيه الحجاب ما بينه وبين الناس بكشف الغطاء عن بصائرهم وطي السماوات بيمينه وإظهار عرشه لهم فينكشف لهم أنه هو المليك على كل شئ لا ملك إلا ملكه فيحكم بينهم.
فالمراد بالدرجات الدرجات التي يرتقى منها إلى عرشه ويعود قوله: " رفيع الدرجات ذو العرش كناية استعارية عن تعالي عرش ملكه عن مستوى الخلق وغيبته واحتجابه عنهم قبل يوم القيامة بدرجات رفيعة ومراحل بعيدة.
وقوله: " يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده " إشارة إلى أمر الرسالة التي من شأنها الانذار، وتقييد الروح بقوله: " من أمره " دليل على أن المراد بها الروح التي ذكرها في قوله: " قل الروح من أمر ربي " أسرى: 85، وهي التي تصاحب ملائكة الوحي كما يشير إليه قوله: " ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن أنذروا " النحل: 2.
فالمراد بالقاء الروح على من يشاء تنزيلها مع ملائكة الوحي عليه، والمراد بقوله: " من يشاء من عباده " الرسل الذين اصطفاهم الله لرسالته، وفي معنى الروح الملقاة على النبي أقوال أخر لا يعبؤ بها.
وقوله: " لينذر يوم التلاق " وهو يوم القيامة سمي به لالتقاء الخلائق فيه أو لالتقاء الخالق والمخلوق أو لالتقاء أهل السماء والأرض أو لالتقاء الظالم والمظلوم أو لالتقاء المرء وعمله ولكل من هذه الوجوه قائل.
ويمكن أن يتأيد القول الثاني بما تكرر في كلامه تعالى من حديث اللقاء كقوله:
" بلقاء ربهم لكافرون " الروم: 8، وقوله: " إنهم ملاقوا ربهم " هود: 29، وقوله:
" يا أيها الانسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه " الانشقاق: 6 ومعنى اللقاء تقطع الأسباب الشاغلة وظهور أن الله هو الحق المبين وبروزهم لله.
قوله تعالى: " يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شئ " الخ تفسير ليوم التلاق، ومعنى بروزهم لله ظهور ذلك لهم وارتفاع الأسباب الوهمية التي كانت تجذبهم