توسلوا إلى التخلص من العذاب بالاعتراف فتارة اعترفوا بحصول اليقين كما حكاه الله عنهم في قوله: " ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رؤوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون " ألم السجدة: 12، وتارة اعترفوا بذنوبهم كما في الآية المبحوث عنها وقد كانوا يرون أنهم أحرار مستقلون في إرادتهم وأفعالهم لهم أن يشاؤا ما شاؤوا وأن يفعلوا ما فعلوا ولا حساب ولا ذنب.
ومن ذلك يظهر وجه ترتب قولهم: " فاعترفنا بذنوبنا " على قولهم: " أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين " فالاعتراف في الحقيقة مترتب على حصول اليقين بالمعاد الموجب لحصول العلم بكون انحرافاتهم عن سبيل الله ضلالات وذنوبا.
والمراد بقولهم: " أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين " - كما قيل - الإماتة عن الحياة الدنيا والاحياء للبرزخ ثم الإماتة عن البرزخ والاحياء للحساب يوم القيامة فالآية تشير إلى الإماتة بعد الحياة الدنيا والإماتة بعد الحياة البرزخية وإلى الاحياء في البرزخ والاحياء ليوم القيامة ولولا الحياة البرزخية لم تتحقق الإماتة الثانية لان كلا من الإماتة والاحياء يتوقف تحققه على سبق خلافه.
ولم يتعرضوا للحياة الدنيا ولم يقولوا: " وأحييتنا ثلاثا وإن كانت إحياء لكونها واقعة بعد الموت الذي هو حال عدم ولوج الروح لان مرادهم ذكر الاحياء الذي هو سبب الايقان بالمعاد وهو الاحياء في البرزخ ثم في القيامة وأما الحياة الدنيوية فإنها وإن كانت إحياء لكنها لا توجب بنفسها يقينا بالمعاد فقد كانوا مرتابين في المعاد وهم أحياء في الدنيا.
وبما تقدم من البيان يظهر فساد ما اعترض عليه بأنه لو كان المراد بالاحياءتين ما كان في البرزخ وفي الآخرة لكان من الواجب أن يقال: " أمتنا اثنتين وأحييتنا ثلاثا " إذ ليس المراد إلا ذكر ما مر عليهم من الإماتة والاحياءة وذلك إماتتان اثنتان وإحياءات ثلاث.
والجواب أنه ليس المراد هو مجرد ذكر الإماتة والاحياء اللتين مرتا عليهم كيفما كانتا بل ذكر ما كان منهما مورثا لليقين بالمعاد، وليس الاحياء الدنيوي على هذه الصفة.
وقيل: المراد بالإماتة الأولى حال النطفة قبل ولوج الروح، وبالاحياءة الأولى ما هو حال الانسان بعد ولوجها، وبالإماتة الثانية إماتته في الدنيا، وبالاحياءة الثانية