فقوله: " الله نزل أحسن الحديث " هو القرآن الكريم و الحيث هو القول كما في قوله تعالى: " فليأتوا بحديث مثله " الطور: 34، و قوله: " فبأي حديث بعده يؤمنون " المرسلات: 50 فهو أحسن القول لاشتماله على محض الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وهو كلامه المجيد.
وقوله: " كتابا متشابها " أي يشبه بعض أجزائه بعضا وهذا غير التشابه الذي في المتشابه المقابل للمحكم فإنه صفة بعض آيات الكتاب وهذا صفة الجميع.
وقوله: " مثاني " جمع مثنية بمعنى المعطوف لانعطاف بعض آياته على بعض ورجوعه إليه بتبين بعضها ببعض وتفسير بعضها لبعض من غير اختلاف فيها بحيث يدفع بعضه بعضا ويناقضه كما قال تعالى: " أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا " النساء: 82.
وقوله: " تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم " صفة الكتاب وليس استئنافا، والاقشعرار تقبض الجلد تقبضا شديدا لخشية عارضة عن استماع أمر هائل أو رؤيته، وليس ذلك إلا لأنهم على تبصر من موقف نفوسهم قبال عظمة ربهم فإذا سمعوا كلامه توجهوا إلى ساحة العظمة و الكبرياء فغشيت قلوبهم الخشية وأخذت جلودهم في الاقشعرار.
وقوله: " ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله " " تلين " مضمنة معنى السكون والطمأنينة ولذا عدي بإلى والمعنى ثم تسكن وتطمئن جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله لينة تقبله أو تلين له ساكنة إليه.
ولم يذكر القلوب في الجملة السابقة عند ذكر الاقشعرار لان المراد بالقلوب النفوس ولا اقشعرار لها وإنما لها الخشية.
وقوله: " ذلك هدى الله يهدي به من يشاء " أي ما يأخذهم من اقشعرار الجلود من القرآن ثم سكون جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله هو هدى الله وهذا تعريف آخر للهداية بلازمها.
وقوله: " يهدي به من يشاء من عباده " أي يهدي بهداه من يشاء من عباده وهو الذي لم يبطل استعداده للاهتداء ولم يشغل بالموانع عنه كالفسق والظلم وفي السياق