تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٦ - الصفحة ٩٠
قوله تعالى: (ولا يصدنك عن آيات الله بعد إذ أنزلت إليك) إلى آخر الآية، نهى له صلى الله عليه وآله وسلم على الانصراف عن آيات الله بلسان نهى الكفار عن الصد والصرف ووجهه كون انصرافه مسببا لصدهم وهو كقوله لادم وزوجه: (فلا يخرجنكما من الجنة) أي لا تخرجا منها باخراجه لكما بالوسوسة.
والظاهر أن الآية وما بعدها في مقام الشرح لقوله: (فلا تكونن ظهيرا للكافرين) وفائدته تأكيد النهى بعد موارده واحدا بعد واحد فنهاه أولا عن الانصراف عن القرآن النازل عليه برميهم كتاب الله بأنه سحر أو شعر أو كهانة أو أساطير الأولين اكتتبها، وأمره ثانيا أن يدعو إلى ربه، ونهاه ثالثا أن يكون من المشركين وفسره بأن يدعو مع الله إلها آخر.
وقد كرر صفة الرب مضافا إليه صلى الله عليه وآله وسلم للدلالة على اختصاصه بالرحمة والنعمة وأنه صلى الله عليه وآله وسلم متفرد في عبادته لا يشاركه المشركون فيها.
قوله تعالى: (ولا تدع مع الله إلها آخر) قد تقدم أنه كالتفسير لقوله: (ولا تكونن من المشركين).
قوله تعالى: (لا اله الا هو كل شئ هالك الا وجهه له الحكم واليه ترجعون) كلمة الاخلاص في مقام التعليل لقوله قبله: (ولا تدع مع الله إلها آخر) أي لأنه لا اله غيره وما بعدها في مقام التعليل بالنسبة إليها كما سيتضح.
وقوله: (كل شئ هالك الا وجهه) الشئ مساو للموجود ويطلق على كل أمر موجود حتى عليه تعالى كما يدل عليه قوله: (قل أي شئ أكبر شهادة قل الله) الانعام: 19، والهلاك البطلان والانعدام.
والوجه والجهة واحد كالوعد والعدة، ووجه الشئ في العرف العام ما يستقبل به غيره ويرتبط به إليه كما أن وجه الجسم السطح الظاهر منه ووجه الانسان النصف المقدم من رأسه ووجهه تعالى ما يستقبل به غيره من خلقه ويتوجه إليه خلقه به وهو صفاته الكريمة من حياة وعلم وقدرة وسمع وبصر وما ينتهى إليها من صفات الفعل كالخلق والرزق والاحياء والأمانة والمغفرة والرحمة وكذا آياته الدالة عليه بما هي آياته.
فكل شئ هالك في نفسه باطل في ذاته لا حقيقة له الا ما كان عنده مما أفاضه
(٩٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 85 86 87 88 89 90 91 92 93 94 95 ... » »»
الفهرست