إلى مكة ثانيا، وقيل: هو الموت، وقيل: هو القيامة، وقيل: هو المحشر، وقيل هو المقام المحمود وهو موقف الشفاعة الكبرى، وقيل: هو الجنة، وقيل: هو بيت المقدس، وهو في الحقيقة وعد بمعراج ثان يعود فيه إلى بيت المقدس بعد ما كان دخله في المعراج الأول: وقيل: هو الامر المحبوب فيقبل الانطباق على جل الأقوال السابقة أو كلها.
والذي يعطيه التدبر في سياق آيات السورة هو أن تكون الآية تصريحا بما كانت القصة المسرودة في أول السورة تلوح إليه ثم الآيات التالية لها تؤيده.
فإنه تعالى أورد قصة بني إسرائيل وموسى عليه السلام في أول السورة ففصل القول في أنه كيف من عليهم بالأمن والسلام والعزة والتمكن بعد ما كانوا أذلاء مستضعفين بأيدي آل فرعون يذبحون أبناءهم ويستحيون نساءهم، وقد كانت القصة تدل بالالتزام - ومطلع السورة يؤيده - على وعد جميل للمؤمنين أن الله سبحانه سينجيهم مما هم عليه من الفتنة والشدة والعسرة ويظهر دينهم على الدين كله ويمكنهم في الأرض بعد ما كانوا لا سماء تظلهم ولا أرض تقلهم.
ثم ذكر بعد الفراغ من القصة أن من الواجب في الحكمة أن ينزل كتابا يهدى الناس إلى الحق تذكرة واتماما للحجة ليتقوا بذلك من عذاب الله كما نزله على موسى بعد ما أهلك القرون الأولى وكما نزل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وان كذبوا به عنادا للحق وايثارا للدنيا على الآخرة.
وهذا السياق يرجى السامع أنه تعالى سيتعرض صريحا لما أشار إليه في سرد القصة تلويحا فإذا سمع قوله: (ان الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد) لم يلبث دون أن يفهم أنه هو الوعد الجميل الذي كان يترقبه وخاصة مع الابتداء بقوله: (ان الذي فرض عليك القرآن) وقد قدم تنظير التوراة بالقرآن وقد كان ما قصه في انجاء بني إسرائيل مقدمة لنزول التوراة حتى يكونوا بالأخذ بها والعمل بها أئمة ويكونوا هم الوارثين.
فمعنى الآية: أن الذي فرض عليك القرآن لتقرأه على الناس وتبلغه وتعملوا به سيردك ويصيرك إلى محل تكون هذه الصيرورة منك إليه عودا ويكون هو معادا لك