تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٦ - الصفحة ٨٩
وما أذكر قائلا بأنه منصوب بنزع الخافض وان لم يظهر فيه النصب لبنائه والتقدير ربى أعلم بمن جاء بالهدى، ولا دليل على منعه.
قوله تعالى: (وما كنت ترجو أن يلقى إليك الكتاب الا رحمة من ربك فلا تكونن ظهيرا للكافرين) صدر الآية تقرير للوعد الذي في قوله: (ان الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد) أي انه سيردك إلى معاد - وما كنت ترجوه كما ألقى إليك الكتاب وما كنت ترجوه -.
وقيل: تذكرة استينافية لنعمته تعالى عليه صلى الله عليه وآله وسلم وهذا وجه وجيه وتقريره أنه تعالى لما وعده بالرد إلى معاد وفيه ارتفاع ذكره وتقدم دعوته وانبساط دينه خط له السبيل التي يجب عليه سلوكها بجهد ومراقبة فبين له أن ألقاه الكتاب إليه لم يكن على نهج الحوادث العادية التي من شأنها أن ترتجى وتترقب بل كانت رحمة خاصة من ربه وقد وعده في فرضه عليه ما وعده فمن الواجب عليه قبال هذه النعمة وفى تقدم دعوته وبلوغها الغاية التي وعدها أن لا ينصر الكافرين ولا يطيعهم ويدعو إلى ربه ولا يكون من المشركين ولا يدعو معه إلها آخر.
وقوله: (الا رحمة من ربك) استثناء منقطع أي لكنه ألقى إليك رحمة من ربك وليس بالقاء عادى يرجى مثله.
وقوله: (فلا تكونن ظهيرا للكافرين) تفريع على قوله: (الا رحمة من ربك) أي فإذا كان القاؤه إليك رحمة من ربك خصك بها وهو فوق رجائك فتبرأ من الكافرين ولا تكن معينا وناصرا لهم.
ومن المحتمل قريبا أن يكون في الجملة نوع محاذاة لقول موسى عليه السلام - لما قتل القبطي: (رب بما أنعمت على فلن أكون ظهيرا للمجرمين) وعلى هذا يكون في النهى عن اعانتهم إشارة إلى أن القاء الكتاب إليه صلى الله عليه وآله وسلم نعمة أنعمها الله عليه يهدى به إلى الحق ويدعو إلى التوحيد فعليه أن لا يعين الكافرين على كفرهم ولا يميل إلى صدهم إياه عن آيات الله بعد نزولها عليه كما عاهد موسى عليه السلام ربه بما أنعم عليه من الحكم والعلم أن لا يكون ظهيرا للمجرمين أبدا، وسيأتي أن قوله: (ولا يصدنك) الخ، بمنزلة الشارح لهذه الجملة.
(٨٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 84 85 86 87 88 89 90 91 92 93 94 ... » »»
الفهرست