مصدق للتوراة فأجابوا بتصديقه والايمان بما يتضمنه القرآن من المعارف الحقة وأنهم كانوا يعرفونه بأوصافه قبل أن يبعث كما قال تعالى: (وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به انه الحق من ربنا انا كنا من قبله مسلمين).
فساء المشركين ذلك وشاجروهم وأغلظوا عليهم في القول وقالوا: ان القرآن سحر والتوراة سحر مثله (سحران تظاهرا) (وانا بكل كافرون) فأعرض الكتابيون عنهم وقالوا: سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين.
هذا ما يلوح إليه الآيات الكريمة بسياقها، وهو سبحانه لما ساق قصة موسى عليه السلام وأنبأ أنه كيف أظهر قوما مستضعفين معبدين معذبين يذبح أبناؤهم وتستحيى نساؤهم على قوم عالين مستكبرين طغاة مفسدين بوليد منهم رباه في حجر عدوه الذي يذبح بأمره الألوف من أبنائهم ثم أخرجه لما نشأ من بينهم ثم بعثه ورده إليهم وأظهره عليهم حتى أغرقهم أجمعين وأنجا شعب إسرائيل فكانوا هم الوارثين.
عطف القول على الكتاب السماوي الذي هو المتضمن للدعوة وبه تتم الحجة وهو الحامل للتذكرة فذكر أنه أنزل التوراة على موسى عليه السلام فيه بصائر للناس وهدى ورحمة لعلهم يتذكرون فينتهون عن معصية الله بعد ما أهلك القرون الأولى بمعاصيهم.
وكذا أنزل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم القرآن وقص عليه قصص موسى عليه السلام ولم يكن هو شاهدا لنزول التوراة عليه ولا حاضرا في الطور لما ناداه وكلمه، وقص عليه ما جرى بين موسى وشعيب عليهما السلام ولم يكن هو ثاويا في مدين يتلو عليهم آياته ولكن أنزله وقص عليه ما قصه رحمة منه لينذر به قوما ما أتاهم من نذير من قبله لأنهم بسبب كفرهم وفسوقهم في معرض نزول العذاب وإصابة المصيبة فلو لم ينزل الكتاب ولم يبلغ الدعوة لقالوا: ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك وكانت الحجة لهم على الله سبحانه.
فلما جاءهم الحق من عنده ببعثة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ونزول القرآن قالوا: لولا أوتى مثل ما أوتى موسى أو لم يكفروا بما أوتى موسى من قبل حين راجعوا أهل الكتاب في أمره فصدقوه فقال المشركون: سحران تظاهرا يعنون التوراة والقرآن، وقالوا انا بكل كافرون.