تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٦ - الصفحة ٣٨٩
ولازمه أن لا يسألهم وهذا تطييب لنفوسهم أن لا يتهموه بأنه جعل الدعوة ذريعة إلى نيل مال أو جاه.
ثم تمم القول بقوله: (ان أجرى الا على الله وهو على كل شئ شهيد) لئلا يرد عليه قوله بأنه دعوى غير مسموعة فان الانسان لا يروم عملا بغير غاية فدفعه بأن لعملي أجرا لكنه على الله لا عليكم وهو يشهد عملي وهو على كل شئ شهيد.
قوله تعالى: (قل ان ربى يقذف بالحق علام الغيوب) القذف الرمي، وقوله:
(علام الغيوب) خبر بعد خبر أو خبر لمبتدأ محذوف وهو الضمير الراجع إليه تعالى.
ومقتضى سياق الآيات السابقة أن المراد بالحق المقذوف القرآن النازل إليه بالوحي من عنده تعالى الذي هو قول فصل يحق الحق ويبطل الباطل فهو الحق المقذوف إليه صلى الله عليه وآله وسلم من عند علام الغيوب فيدمغ الباطل ويزهقه، قال تعالى: (بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق) الأنبياء: 18، وقال: (قل جاء الحق وزهق الباطل ان الباطل كان زهوقا) أسرى: 81.
قوله تعالى: (قل جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد) المراد بمجئ الحق على ما تهدى إليه الآية السابقة نزول القرآن المبطل بحججه القاطعة وبراهينه الساطعة لكل باطل من أصله.
وقوله: (وما يبدئ الباطل وما يعيد) أي ما يظهر أمرا ابتدائيا جديدا بعد مجئ الحق وما يعيد أمرا كان قد أظهره من قبل اظهارا ثانيا بنحو الإعادة فهو كناية عن بطلان الباطل وسقوطه عن الأثر من أصله بالحق الذي هو القرآن.
قوله تعالى: (قل ان ضللت فإنما أضل على نفسي وان اهتديت فبما يوحى إلى ربى انه سميع قريب) بيان لاثر الحق الذي هو الوحي فإنه عرفه حقا مطلقا فالحق إذا كان حقا من كل جهة لم يخطئ في إصابة الواقع في جهة من الجهات والا كان باطلا من تلك الجهة فالوحي يهدى ولا يخطئ البتة.
ولذا قال تأكيدا لما تقدم: (قل ان ضللت) وفرض منى ضلال (فإنما أضل) مستقرا ذلك الضلال (على نفسي) فان للانسان من نفسه أن يضل (وان اهتديت فبما يوحى إلى ربى) فوحيه حق لا يحتمل ضلالا ولا يؤثر الا الهدى.
(٣٨٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 384 385 386 387 388 389 390 391 392 393 394 » »»
الفهرست