تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٦ - الصفحة ٣٥٩
ممزق انكم لفي خلق جديد) كلام منهم وارد مورد الاستهزاء يعرفون فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعضهم لبعض بالقول بالمعاد.
والتمزيق التقطيع والتفريق، وكونهم في خلق جديد استقرارهم فيه أي تجديد خلقتهم باحيائهم بعد موتهم ووجودهم ثانيا بعد عدمهم، وقوله: (إذا مزقتم) ظرف لقوله: (انكم لفي خلق جديد).
والمعنى: وقال الذين كفروا بعضهم لبعض على طريق الاستهزاء بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم لانذاره إياهم بالبعث والجزاء: هل ندلكم على رجل والمراد به النبي صلى الله عليه وآله وسلم ينبئكم ويخبركم أنكم ستستقرون في خلق جديد ويتجدد لكم الوجود إذا فرقت أبدانكم كل التفريق وقطعت بحيث لا يتميز شئ منها من شئ.
قوله تعالى: (أفترى على الله كذبا أم به جنة) الخ، الاستفهام للتعجيب فان القول ببعث الأجساد بعد فنائها عجيب عندهم لا يقول به عاقل الا لتلبيس الامر على الناس واضلالهم لينال بعض ما عندهم والا فكيف يلتبس فيه الامر على عاقل، ولهذا رددوا الامر بين الافتراء والجنة في الاستفهام والمعنى: أهو عاقل يكذب على الله افتراء عليه بالقول بالبعث أم به نوع جنون يتفوه بما بدا له من غير فكر مستقيم.
وقوله: (بل الذين لا يؤمنون بالآخرة في العذاب والضلال البعيد) رد لقولهم واضراب عن الترديد الذي أتوا به مستفهمين، ومحصله أن ذلك ليس افتراء على الله ولا جنون فيه بل هؤلاء الكفار مستقرون في عذاب سيظهر لهم وقد أبعدهم ذلك عن الحق فكانوا في ضلال بعيد لا يسعهم مع ذلك أن يعقلوا الحق ويذعنوا به.
ووضع الموصول موضع الضمير في قوله: (بل الذين لا يؤمنون بالآخرة) للدلالة على أن علة وقوعهم فيما وقعوا فيه من العذاب والضلال عدم ايمانهم بالآخرة.
قوله تعالى: (أفلم يروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم من السماء والأرض ان نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم كسفا من السماء) الخ، وعظ وانذار لهم باستعظام ما اجترؤا عليه من تكذيب آيات الله والاستهزاء برسوله فالمراد بقوله: (ما بين أيديهم وما خلفهم من السماء والأرض) إحاطة السماء والأرض بهم من بين أيديهم ومن خلفهم فأينما نظروا وجدوا سماء تظلهم وأرضا تقلهم لا مفر لهم منهما.
(٣٥٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 354 355 356 357 358 359 360 361 362 363 364 ... » »»
الفهرست