تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٦ - الصفحة ٢٢٣
فتنا وبلاء يخذل ولا يعان ويغشاه الظلم من كل مكان وصاحبه فيه بين أمرين ان أصاب فيه الحق فبالحري أن يسلم وان أخطأ أخطأ طريق الجنة، ومن يكن في الدنيا ذليلا ضعيفا كان أهون عليه في المعاد من أن يكون حكما سريا شريفا، ومن اختار الدنيا على الآخرة يخسرهما كلتيهما تزول هذه ولا تدرك تلك.
قال: فتعجب الملائكة من حكمته واستحسن الرحمان منطقه فلما أمسى وأخذ مضجعه من الليل أنزل الله عليه الحكمة فغشاه بها من قرنه إلى قدمه وهو نائم وغطاه بالحكمة غطاء فاستيقظ وهو أحكم الناس في زمانه، وخرج على الناس ينطق بالحكمة ويبثها فيها.
قال: فلما أوتى الحكم بالخلافة ولم يقبلها أمر الله عز وجل الملائكة فنادت داود بالخلافة فقبلها ولم يشترط فيها بشرط لقمان فأعطاه الله عز وجل الخلافة في الأرض وابتلى بها غير مرة كل ذلك يهوى في الخطأ يقيله الله ويغفر له، وكان لقمان يكثر زيارة داود ع ويعظه بمواعظه وحكمته وفضل علمه، وكان داود يقول له: طوبى لك يا لقمان أوتيت الحكمة وصرفت عنك البلية وأعطى داود الخلافة وابتلى بالحكم والفتنة.
ثم قال أبو عبد الله ع في قول الله عز وجل: (وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بنى لا تشرك بالله ان الشرك لظلم عظيم) قال: فوعظ لقمان ابنه باثار (1) حتى تفطر وانشق.
وكان فيما وعظه به يا حماد أن قال: يا بنى انك منذ سقطت إلى الدنيا استدبرتها واستقبلت الآخرة فدار أنت إليها تسير أقرب إليك من دار أنت عنها متباعد. يا بنى جالس العلماء وزاحمهم بركبتيك ولا تجادلهم فيمنعوك، وخذ من الدنيا بلاغا ولا ترفضها فتكون عيالا على الناس، ولا تدخل فيها دخولا يضر بآخرتك، وصم صوما يقطع شهوتك ولا تصم صياما يمنعك من الصلاة فان الصلاة أحب إلى الله من الصيام.
يا بنى: ان الدنيا بحر عميق قد هلك فيها عالم كثير فاجعل سفينتك فيها الايمان واجعل شراعها التوكل، واجعل زادك فيها تقوى الله فان نجوت فبرحمة الله وان

(1) باثار اسم ابنه والتفطر والانشقاق كناية عن كمال التأثر.
(٢٢٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 218 219 220 221 222 223 224 225 226 227 228 ... » »»
الفهرست