تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٦ - الصفحة ٢٠٣
من آثار الرحمة والنبات والأشجار والأثمار من آثار حياتها وهي أيضا من آثار الرحمة والتدبير تدبير إلهي يتفرع على خلقة الرياح والسحاب والمطر.
وقوله: (ان ذلك لمحيى الموتى) الإشارة بذلك إليه تعالى بماله من الرحمة التي من آثارها احياء الأرض بعد موتها، وفى الإشارة البعيدة تعظيم، والمراد بالموتى موتى الانسان أو الانسان وغيره من ذوي الحياة.
والمراد بقوله: (ان ذلك لمحيى الموتى) الدلالة على المماثلة بين احياء الأرض الميتة واحياء الموتى إذ في كل منهما موت هو سقوط آثار الحياة من شئ محفوظ وحياة هي تجدد تلك الآثار بعد سقوطها، وقد تحقق الاحياء في الأرض والنبات وحياة الانسان وغيره من ذوي الحياة مثلها وحكم الأمثال فيما يجوز وفيما لا يجوز واحد، فإذا جاز الاحياء في بعض هذه الأمثال وهو الأرض والنبات فليجز في البعض الاخر.
وقوله: (وهو على كل شئ قدير) تقرير للاحياء المذكور ببيان آخر وهو عموم القدرة فان القدرة غير محدودة ولا متناهية فيشمل الاحياء بعد الموت والا لزم تقيدها وقد فرضت مطلقة غير محدودة.
قوله تعالى: (ولئن أرسلنا ريحا فرأوه مصفرا لظلوا من بعده يكفرون) ضمير (فرأوه للنبات المفهوم من السياق، وقوله: (لظلوا) جواب للقسم قائم مقام الجزاء والمعنى: وأقسم لئن أرسلنا ريحا باردة فضربت زروعهم وأشجارهم بالصفار ورأوه لظلوا بعده كافرين بنعمه.
ففي الآية توبيخهم بالتقلب السريع في النعمة والنقمة، فإذا لاحت لهم النعمة بادروا إلى الاستبشار، وإذا أخذ بعض ما أنعم الله به من فضله لم يلبثوا دون أن يكفروا بالمسلمات من النعم.
وقيل: ضمير (فرأوه) للسحاب لان السحاب إذا كان أصفر لم يمطر، وقيل:
للريح فإنه يذكر ويؤنث، والقولان بعيدان.
قوله تعالى: (فإنك لا تسمع الموتى - إلى قوله - فهم مسلمون تعليل لما يفهم من السياق السابق كأنه قيل: لا تشتغل ولا تحزن بهؤلاء الذين تتبدل بهم الأحوال من ابلاس واستبشار وكفر ومن عدم الايمان بآياتنا وعدم تعقلها فإنهم موتى وصم وعمى
(٢٠٣)
مفاتيح البحث: الموت (5)، الجواز (2)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 198 199 200 201 202 203 204 205 206 207 208 ... » »»
الفهرست