تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٦ - الصفحة ١٩٩
وتعد ذلك من فضله نظرا إلى أن نفس هذه المقابلة والمبادلة فضل منه سبحانه ومنشأه حبه تعالى لهم كما يومى إليه تذييل الآية بقوله: (انه لا يحب الكافرين).
ومن هنا يظهر أن قوله: (انه لا يحب الكافرين) يفيد التعليل بالنسبة إلى جانبي النفي والاثبات جميعا أي انه تعالى يخص المؤمنين العاملين للصالحات بهذا الفضل ويحرم الكافرين منه لأنه يحب هؤلاء ولا يحب هؤلاء.
قوله تعالى: (ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات وليذيقكم من رحمته ولتجري الفلك بأمره ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون)، المراد بكون الرياح مبشرات تبشيرها بالمطر حيث تهب قبيل نزوله.
وقوله: (وليذيقكم من رحمته) عطف على موضع مبشرات لما فيه من معنى التعليل والتقدير يرسل الرياح لتبشركم وليذيقكم من رحمته والمراد بإذاقة الرحمة إصابة أنواع النعم المترتبة على جريان الرياح كتلقيح الأشجار ودفع العفونات وتصفية الأجواء وغير ذلك مما يشمله اطلاق الجملة.
وقوله: (ولتجري الفلك بأمره) أي لجريان الرياح وهبوبها. وقوله: (ولتبتغوا من فضله) أي لتطلبوا من رزقه الذي هو من فضله.
وقوله: (ولعلكم تشكرون)، غاية معنوية كما أن الغايات المذكورة من قبل غايات صورية، والشكر هو استعمال النعمة بنحو ينبئ عن انعام منعمه أو الثناء اللفظي عليه بذكر انعامه، وينطبق بالآخرة على عبادته ولذلك جئ بلعل المفيدة للرجاء فان الغايات المعنوية الاعتبارية ربما تخلفت.
قوله تعالى: (ولقد أرسلنا من قبلك رسلا إلى قومهم فجاؤوهم بالبينات فانتقمنا من الذين أجرموا وكان حقا علينا نصر المؤمنين) قال الراغب: أصل الجرم - بالفتح فالسكون - قطع الثمرة عن الشجر - إلى أن قال - وأجرم صار ذا جرم نحو أثمر وأتمر وألبن واستعير ذلك لكل اكتساب مكروه، ولا يكاد يقال في عامة كلامهم للكيس المحمود انتهى.
والآية كالمعترضة وكأنها مسوقة لبيان أن للمؤمنين حقا على ربهم وهو نصرهم في الدنيا والآخرة ومنه الانتقام من المجرمين، وهذا الحق مجعول من قبله تعالى لهم على
(١٩٩)
مفاتيح البحث: الشكر (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 194 195 196 197 198 199 200 201 202 203 204 ... » »»
الفهرست