تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٦ - الصفحة ٢٠٦
قوله تعالى: (وقال الذين أوتوا العلم والايمان لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث فهذا يوم البعث) الخ، رد منهم لقول المجرمين: (ما لبثوا غير ساعة) فان المجرمين لاخلادهم إلى الأرض وتوغلهم في نشأة الدنيا يرون يوم البعث والفصل بينه وبين الدنيا محكوما بنظام الدنيا فقدروا الفصل بساعة وهو مقدار قليل من الزمان كأنهم ظنوا أنهم بعد في الدنيا لأنه مبلغ علمهم.
فرد عليهم أهل العلم والايمان أن اللبث مقدر بالفصل بين الدنيا ويوم البعث وهو الفصل الذي يشير إليه قوله: (ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون) المؤمنون: 100.
فاستنتجوا منه أن اليوم يوم البعث ولكن المجرمين لما كانوا في ريب من البعث ولم يكن لهم يقين بغير الدنيا ظنوا أنهم لم يمر بهم الا ساعة من ساعات الدنيا وهذا معنى قولهم: (لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث فهذا يوم البعث ولكنكم كنتم لا تعلمون)، أي كنتم جاهلين مرتابين لا يقين لكم بهذا اليوم ولذلك اشتبه عليكم أمر اللبث.
ومن هنا يظهر أن المراد بقوله: (أوتوا العلم والايمان)، اليقين والالتزام بمقتضاه وأن العلم بمعنى اليقين بالله وبآياته والايمان بمعنى الالتزام بمقتضى اليقين من الموهبة الإلهية، ومن هنا يظهر أيضا أن المراد بكتاب الله الكتب (1) السماوية أو خصوص القرآن لا غيره وقول بعضهم: ان في الآية تقديما وتأخيرا والتقدير وقال الذين أوتوا العلم والايمان في كتاب الله لقد لبثتم إلى يوم البعث لا يعتد به.
قوله تعالى: (فيومئذ لا ينفع الذين ظلموا معذرتهم ولاهم يستعتبون) الاستعتاب طلب العتبى، والعتبى إزالة العتاب أي لا ينفعهم المعذرة عن ظلمهم ولا يطلب منهم أن يزيلوا العتاب عن أنفسهم.
قوله تعالى: (ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل) الخ، إشارة

(1) ويمكن أن يكون المراد بكتاب الله اللوح المحفوظ فيكون ذلك استدلالا على قولهم بكتاب الله ويكون نظير ما في قوله: (هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق)، الجاثية: 29 بناء على ما سيأتي من معناه (منه).
(٢٠٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 201 202 203 204 205 206 207 208 209 210 211 ... » »»
الفهرست