تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٦ - الصفحة ١٩٢
والمعتقدون بصانع وراء المادة كالوثنية يبنون سننهم وقوانينهم على ارضاء الآلهة ليسعدوهم في حياتهم الدنيوية والمعتقدون بالمبدأ والمعاد يبنون حياتهم على أساس يسعدهم في الحياة الدنيوية ثم في الحياة المؤبدة التي بعد الموت فصور الحياة الاجتماعية تختلف باختلاف الأصول الاعتقادية في حقيقة العالم والانسان الذي هو جزء من أجزائه.
وأما القوانين والسنن الاجتماعية فلو لا وجود قوانين وسنن مشتركة يحترمها المجتمعون جميعهم أو أكثرهم ويتسلمونها تفرق الجمع وانحل المجتمع.
وهذه السنن والقوانين قضايا كلية عملية صورها: يجب أن يفعل كذا عند كذا أو يحرم أو يجوز وهي أياما كانت معتبرة في العمل لغايات مصلحة للاجتماع والمجتمع تترتب عليها تسمى مصالح الأعمال ومفاسدها.
3 - قد عرفت أن الانسان انما ينال ما قدر له من كمال وسعادة بعقد مجتمع صالح يحكم فيه سنن وقوانين صالحة تضمن بلوغه ونيله سعادته التي تليق به وهذه السعادة أمر أو أمور كمالية تكوينية تلحق الانسان الناقص الذي هو أيضا موجود تكويني فتجعله انسانا كاملا في نوعه تاما في وجوده.
فهذه السنن والقوانين - وهي قضايا عملية اعتبارية - واقعة بين نقص الانسان وكماله متوسطة كالعبرة بين المنزلتين وهي كما عرفت تابعة للمصالح التي هي كمال أو كمالات انسانية، وهذه الكمالات أمور حقيقية مسانخة ملائمة للنواقص التي هي مصاديق حوائج الانسان الحقيقية.
فحوائج الانسان الحقيقية هي التي وضعت هذه القضايا العملية واعتبرت هذه النواميس الاعتبارية، والمراد بالحوائج هي ما تطلبه النفس الانسانية بأميالها وعزائمها ويصدقه العقل الذي هو القوة الوحيدة التي تميز بين الخير والنافع وبين الشر والضار دون ما تطلبه الأهواء النفسانية مما لا يصدقه العقل فإنه كمال حيواني غير انساني.
فأصول هذه السنن والقوانين يجب أن تكون الحوائج الحقيقية التي هي بحسب الواقع حوائج لا بحسب تشخيص الأهواء النفسانية.
وقد عرفت أن الصنع والايجاد قد جهز كل نوع من الأنواع - ومنها الانسان -
(١٩٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 187 188 189 190 191 192 193 194 195 196 197 ... » »»
الفهرست